37.3 C
Khartoum
الخميس, سبتمبر 18, 2025

عمود حكاوينا بقلم/ حاتم الأمين داموس من أجل أبنائي

إقرأ ايضا

حوامات الأعداء تجوب سماء المكان ، وتلقى قذائفها النارية كالبيض فوق رؤس الأبرياء ، وصوتها يصخ الاذان ،أو كأنه فعل ! لايهم.. كم تقتل أو تجرح ، ولا يهم صراخ طفل أودمعة شيخ تهاوى المنزل فوق رأسه ، فقط الدمار والخراب فليعم ، والصراخ والعويل.
وأنا أنزل درج سلم البناية ،إلتقيت بجارى “أبو أحمد” نازلاً أيضاً ، وقال لى وكأنه قرأ حبل أفكارى : العالم مشغول عن قضيتنا ، ولديه قضاياه ، فالأخبار تطفح بقضية المثليين التى أنزل الله فيه حكمه منذ قرون ..! هكذا يتحدث”أبو أحمد” على سجيته ، خلاف مايوحى منظره، فالشيب الأبيض الذى يغطى شعر وجهه يجعل منه رجلاً وقوراً، وكان “أبو أحمد” من الذين حضروا النكبة وأكتووا بنيرانها ، وفقد العزيز والغالى .. وهاهو ينزل إلى دكانته القائمة في وسط الحارة التى يصر على البيع فيها رغم القصف. فهو كما يقول : لا يملك شيئاً يخسره . فقط شيئاً واحداً ظل يلازمه.. مذياعه.
خرجنا من البناية ، رغم سماعنا دوى الانفجارات هنا وهناك، وكل ذهب في اتجاه، وقصدت الفرن الواقع في نهاية الطريق . فالحياة لا بد أن تسير سيرها الطبيعى ، ولولا الوطنية لدى بعض أبناء شعبنا ،لما عاش الباقون.
وإلتقيت به وقد لف وجهه بشال و لاتظهر منه غير عينان حمراوان، وفي اليد قطعة سلاح .
وقلت له ونحن نهرول في أول الشارع المؤدى إلى الفرن : هؤلاء في عالمهم ..لو أصيب منهم شخص أو حتى كلب أو قطيطة ، لقامت الدنيا ولم تقعد ، ولو قتل منا ألف ..ألفان ..مليون ..فالشهيد أهله وناس حارته أولى بدفنه، وتلقى العزاء فيه ، والعالم يتفرج .. والعرب يتفرجون ، وربما دموع تنزل على استحياء ..هنا أو هناك. سكتت ثم قلت :وأولادى ليس لديهم غير أبيهم ، يحضر لهم الخبز، وفي سبيلهم أضحى..
قال لي ونحن نركض لنحتمى بالحائط التالى : فقدت الأب والجد والخال ،فمابقى لي شئ .. هى بلادى عشت أطلب حبها..وسأموت من أجلها..
وقبل أن يكمل ..فإذا بطلقة مباغتة لقناص أصابته إصابة بليغة، ووقع أرضاً فجريت نحوه وأسندته. وقال لى والدماء تخرج من فمه وصدره ونحن علي قارعة الطريق : أخشى ماأخشى أن يكون الفاعل ابن عمى من دمى ولحمى ،غرر به الأعداء ، فضل الطريق ..
وأشتد به الألم الذى ظهر في عينيه فجعلت إلتفت يميناً وشمالاً..أصرخ مطالباً النجدة! النجدة! ..ولما تأخرت، مد يده بشئ ،فأسرعت إليه بكفى ليضعه فيها ..فوجدتها “قنبلة”! فشهقت و إلتفت إليه فوجدته قد فارق الحياة .. شهيداً.
وأخيراً وصلت عربة الأسعاف، وقد فات الأوان ،وحملت الشهيد ومضت..
وبين يدى القنبلة أنظر إليها ثم أنظر لعربة الأسعاف ..
ولم تمض ثوان حتى دوى انفجار كبير .. انفجرت عربة الأسعاف .
وفي مدخل سلم البناية ، إلتقيت بجارى “أبو أحمد” وقال لي :العالم اليوم يتكلم عننا .. يتكلم عن عربة الأسعاف ومهمتها الإنسانية وسائقيها الأبرياء. قالوا أنهم ضربوها دون قصد.. قاطعته: ألم يذكروا عمن كان بداخلها من غير السائقين؟ نظر لي نظرة فهمت معناها ،وقال :هكذا ينقلون أخبارنا . ناقصة .
قلت في نفسى :ونحن سنكتب تاريخنا بأنفسنا ، ونعلمه أولادنا .
دخلت إلى بيتى ،وأولادى حاملاً كيس خبزى، ويدى تتحسس جيبى ..فبجيبى قنبلة!

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة