اقعدني داء العين اللعين عن الكتابة ، فإنتخبت لكم قصة فتاة عربية جميلة جدا فارسة مغوارة تضرب بالسيف والرمح ، وجمالها قيل انه لم ولن يتكرر ، سار بذكرها الركبان ووثق قصتها علماء اللغة ، فالى بديع قصتنا نقرأ معا :
(( يحكى أنه في بوادي الحجاز، ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، كانت تسكن بطون من قبيلة كندة، وكان سيدهم رجلًا يُدعى جابر بن الضحاك. وكان له ابنة تُدعى المياسة، وكانت آية من آيات الجمال والبهاء.
وقد وصفها الرواة بأنها ذات قدٍّ معتدل، وخدٍّ أسيل، وطرفٍ كحيل، وخصر نحيل، وردف ثقيل، وعنق طويل، وقامة كأنها ميل من الرماح. وقالوا إنها كانت ذكية العبارة، حاضرة البديهة، ساحرة الإطلالة، إن أقبلت خيّلت، وإن أدبرت فَتَنت. وقد شاع ذكرها بين قبائل العرب، وذاع صيت جمالها وقوّتها.
فلما بلغت سن الزواج، تقدم لخطبتها سادة العرب وأشرافهم وملوكهم، لكنها رفضتهم جميعًا، وأقسمت بذمّة العرب، وشهر رجب، وربّ الأرب إذا طُلب غلب، أن لا يتزوجها ولا يملك قلبها إلا من يغلبها في المبارزة وميدان الحرب، ومواقف الطعن والضرب.
جاءها الكثير من الفرسان، وكلهم حاولوا نيلها، لكنها غلبتهم جميعًا، حتى وصل خبرها إلى سادة قريش وفرسانهم. فرأوا أن يتزوجها أحدهم لتكون رابطة قوية بين قريش وبني كندة، الذين كانوا من أشجع فرسان العرب في المعارك.
عندما وصل وفد قريش، استقبلهم جابر بن الضحاك بكرم الضيافة، فهم أهل الحرم وسادة البطحاء. ذبح لهم الذبائح، وأكرم وفادتهم، وأراق لهم الخمر، واستضافهم ثلاثة أيام.
وبعد انتهاء أيام الضيافة، سألهم عن مطلبهم، فقالوا:
“يا جابر، جئناك راغبين، ولابنتك المياسة خاطبين. قد سمعنا عن جمالها وشجاعتها، ونرجو أن يكون أحدنا زوجًا لها.”
وقام أبو الحكم عمرو بن هشام، المعروف بـ”أبي جهل”، يخطبها لابنه حنظلة، وقام غيره يخطبها لأبنائهم.
فقال جابر بن الضحاك:
“يا سادة قريش، ما بقي أحد من العرب إلا وقد جاءنا يطلب ما طلبتم، وسأل ما سألتم. وأنتم الأشراف وسادة الحرم، دعوني أستأذنها في الأمر.”
ثم دخل على ابنته المياسة، فوجدها تلمع درعها وتُعدّ سيفها، فلما رأته نهضت.
فقال لها:
“يا ابنتي، إن سادة قريش جاؤونا من مكة يطلبونك للزواج، كل واحد منهم يريدك لنفسه أو لابنه، فاختاري من شئت، واعلمي أنهم سادة البطحاء، وأشراف العرب، وسكان زمزم والصفا.”
فقالت المياسة:
“يا أبتِ، لا يملك عناني أحد إلا من غلبني في المبارزة وميدان الحرب. أبلغهم أن يتهيؤوا، ومن غلبني فليكن لي.”
خرج جابر إلى وفد قريش وأبلغهم قولها، فقام أبو الحكم عمرو بن هشام قائلًا:
“فلنركب خيولنا، ونلبس سلاحنا، ولنلتق بها غدًا في الميدان، ومن غلبها كانت له.”
فقال سادة قريش:
“رضينا.”
وفي صباح اليوم التالي، أمروا عبيدهم أن يسرجوا الخيول، وأخرجوا السلاح والدروع، ولبسوها، وركبوا خيولهم وخرجوا إلى ساحة المبارزة.
وفي المقابل، خرجت لهم المياسة، ممتطية جوادًا من أجود الخيول يُقال له “الجوال”، وقد وضعت على رأسها خوذة من الحديد، وتقلدت بسيف هندي، وحملت رمحًا طويلًا، ووقفت على ربوة عالية، تنظر إلى الجمع بشموخ، ثم أنشدت قائلة:
أهَمّك قولُ الشينِ والعذّالِ
وقلتَ قولًا ليس بالمحالِ
إذا قريشٌ عاينوا فعالي
ولو أُعلنَ الحربُ والنزالِ
فرد عليها أحد الفرسان من قريش قائلاً:
“أفي كل نادٍ تفتنين فوارسا؟
وقد جئنا نروم منك المراسا
فإن كنتِ للحرب شمسًا كواسرًا
فإنا لها ليثٌ يزلزلها بأسًا”
عندها انطلقت المياسة نحو الساحة، تسبقها العزيمة، وحولها نظرات الرجال تتأرجح بين الإعجاب والرهبة. وقفت كالسيف في تمامه، تهتف:
“فلا تغتروا بمن سبق
ولا تهنوا إذا القتال دق
فإني لهيج النار في الوغى
وبأسُ من إذا طُعن فَــرَق”
فبدأت المبارزات… تقدم فارسٌ بعد آخر، وكل منهم يحاول إثبات نفسه أمام هذه الفاتنة الفارسة. لكنهم، واحدًا تلو الآخر، سقطوا بسيفها أو رُدّوا برمحها، حتى عمّ الصمت، وتلبدت الأجواء بخيبة الرجاء.
في ذلك الحين، كان شاب يراقب من بعيد… رث الثياب، شديد القسمات، يمتطي فرسًا قديمًا. هو المقداد بن الأسود الكندي، ابن عمها، نشأ يتيمًا في كنف أحد أخواله، يعمل في الإسطبل ويرعى الخيل. كان فتى نحيل الجسد، لكن عينيه تشعان بثقة لا يُدركها من يراه.
عاد المقداد إلى خاله في الليل، واستعاره فرسًا ورمحًا وسيفًا، وقال له:
– “دعني يا خالي، فلعلّي أغنم من الدنيا ما يغنيني، أو أموت على عتبة المجد”.
في الصباح، خرج إلى الميدان، مغطى الوجه، لا يُعرف من هو. ضحك بعض فرسان قريش ساخرين:
– “ومن هذا الأعرابي؟ أضاع بعيره فدخل في ساحة الشجعان؟”
لم يرد، بل تقدّم نحو المياسة قائلًا:
– “يا ذات الردف الثقيل، والخُلق الجميل، إن في القلب نيرانًا ما يطفئها إلا لقاء الحديد بالحديد!”
ابتسمت المياسة وقالت:
– “عجّلتَ بالموت أيها الفارس الغريب… فهلمّ إليّ إن كنت على عهدك أمين”.
التقيا في ساحة الميدان، فدوّى صوت الحديد، وارتفعت سحب الغبار. تبارزا طويلًا، وظهر على المياسة التعب لأول مرة، ثم فجأة سقط سيفها من يدها، فثبت رمح المقداد على صدرها، وقال:
– “أذعنتِ؟”
فأجابت وهي تلهث:
– “ما ظننت أن بين العرب من يغلبني… نعم، أذعنت.”
انكشفت هويته، فتعجب الجميع، وقال جابر بن الضحاك:
– “ويحك يا ابن أخي! أغلبتها؟ لكنك فقير لا تملك مهرها، ولا مقامك مقام الأشراف!”
فقالت المياسة بصوت حاسم:
– “أبيتَ يا أبي إلا أن أُوفِي وعدي. وقد غلبني، فهو لي. وإن كان فقيرًا، أغنيه من مالي، وإن كان مجهولًا، أرفعه بفعاله.”
فوافق والدها على مضض، وزُفّت المياسة إلى المقداد، وصار من بعدها فارس كندة الأول، يُضرب به المثل في الشجاعة، والوفاء، والحب الذي لا يعرف قيودًا.
وتناقل الرواة قصتهما، وقالوا:
ما هزّ المياسة إلا سهم المقداد،
ولا ثبّت قلبها إلا وعدٌ أوفى به فارسٌ لا يُعرف… إلا في ساحة النزال.)) ۔ انتهت ۔
المصادر:
1. سيرة ابن هشام.
2. تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)📖
3. الطبقات الكبرى لابن سعد.
4. أنساب الأشراف للبلاذري.
5. الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
6. العقد الفريد لابن عبد ربه.
7. الكامل في التاريخ لابن الأثير.
8. البيان والتبيين للجاحظ.
9. المروج الذهب للمسعودي.
10. فتوح البلدان للبلاذري.
11. جمهرة أنساب العرب لابن حزم.
12. نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري.
خروج اخير
يالها من فتاة ومثلها في النساء قليل الا ميارم الفاشر اللآيي حملن الدوشكات والقرنوف واوقفن مد مليسيا الدعم السريع تماما ۔۔
سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب المياسة ۔۔ جميلة العرب التي جندلت فرسانهم للفوز بحبها !!
