عقب دراسة مستفيضة وتخطيط ممنهج ورؤى مستقبلية اعلنت الدولة عن ولادة ( المشروع الوطني لإصلاح واعمار النسيج الإجتماع ) تحت شعار: “نسامح لنبني الوطن” وحمل في ديباجته : ( يُعد الإصلاح والرؤية الوطنية مفهومين متكاملين وحيويين لتقدم أي أمة وازدهارها. فالإصلاح هو عملية التغيير والتحسين التي تهدف إلى معالجة أوجه القصور والتحديات القائمة في مختلف القطاعات، بينما توفر الرؤية الوطنية الإطار العام والاتجاه المستقبلي الذي يوجه هذه الجهود الإصلاحية.
نقصد من خلال هذه التوطئة التأكيد على أهمية المساهمة في الإصلاح الاجتماعي والرؤية الاستشرافية والمستقبلية له، عبر خطط وإنتاج برامج إعلامية، ووضع خارطة برامجية تستهدف كل مكونات العمل الإعلامي، من صحافة وإذاعة وقنوات فضائية وإعلام إلكتروني، وفضاء الميديا المتسع، والإعلام الجماهيري. تهدف هذه الجهود إلى تعزيز قيم التسامح والوحدة والتعايش السلمي، ونبذ خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية وغيرها من التحديات التي خلفتها الحرب اللعينة التي اندلعت في أبريل ٢٠٢٣م، والتي أطلقت شرارتها الأولى قوات الدعم السريع الإرهابية. )۔ انتهى
وتبقى مشكلتنا الآنية في بلادنا هي كيفية قبول الآخر وإحلال السلام في كامل ولايات السودان ومن ثم ستأتي من بعده الإحتياجات الحياتية من صحة وتعليم وخدمات وبالطبع معاش الناس ، فهذه كلها لن تتأتى إن ظل كل كيان إجتماعى أو سياسي او عسكري متعصب لرأيه وينظر الى الأمور من زاويته الضيقة تطبيقا للمثل السوداني السئ الصيت ( يا نلعب فيها يا نفسيها ) ، وقبول الآخر كان قد تحقق الآن أماكن عديدة والتعافي المجتمعي كنا نحسه في شوارع ولاياتنا التي نالت حظها من الشتات والفرقة وإضطراب الحال العام لسنوات طويلة ، وبعد الحرب انتكست ولايات دارفور وخاصة جنوبها في حاضرتها نيالا ( البحير ) التي جعلت منها مليشيا الدعم السريع حاضنة لها بل عاصمة غير معلنة ان سارت في اعلان الحكومة الموازية بمباركة المنتفعين من قادة دول العالم الاوغاد الذين خططوا لتقسيم السودان الى دويلات تمهيدا للانقضاض عليه برعاية دويلة الشر ورئيسها شيطان العرب ،في تكرار واضح مشين لتجربة صربيا والبوسنة وكرواتيا والجبل الاسود ، بعد ان شهدنا مذابح في سوداننا افظع من مذابح سربنتشا في السابق ۔
إذن قوافل تعزيز ثقافة السلام التي ظل يسيرها المشروع القومي في السابق ، لتعزيز ثقافة السلام الى المحليات ( الملتهبة ) في دارفور وكردفان والنيل الازرق وغيرها طوال الاعوام التي سبقت الحرب الملعونة ، قد أتت أكلها لو جزئيا ، وذلك من خلال تعامل مواطنيها الذين نزح بعضهم شمالا حتى وصلوا الى وادي حلفا على حدودنا مع جمهورية مصر العربية ، فقد تخلى العديد منهم عن ثقافة حمل السلاح الأبيض ( السكين ) وهواجس (الكلام المر) بالتدقيق في ما يقال له من باب الأغنية البقارية ( ياناس الريد في الكلام بنشم ) بل أن بعضهم أضحى ( فنان نكات ) بكل ما تحمل هذه الصفة من معنى
وهذا المشروع المقبور – ثقافة السلام – إجتهد فيه عدد من علماؤنا بالجامعات منهم للمشروع ، منهم على سبيل المثال البروفيسور فائز عمر جامع نائب الأمين العام للمشروع ، البرفيسور الحاج أبا آدم ، الدكتور عاطف عجيب ، الدكتورة آفاق محمد صادق ، المدرب الذهني الدكتور محمد عطا عبد الغني ، والمقرر النذير الأمين وثلة من الدكاترة والعلماء بهيئة علماء السودان بجانب العديد من الفرق الفنية والدرامية بقيادة حضرة الصول الشهيد محمد على عبد المجيد يعقوب ، الذين جابو ولايات السودان الغربية والجنوبية – النيل الأزرق وغرب وشمال وجنوب كردفان – والولايات الشرقية والشمالية ونهر النيل بجانب الخرطوم لإستكمال إسناد عملية جمع السلاح وتعزيز الأمن والطمأنينة بين سكان الوطن الواحد .
وكنت أحد الصحفيين الذين رافقو تلك القوافل الى الولايات فكانت الرسائل التي قال بها أولئك العلماء مجتمعين حاثة على أنه من أجل بناء وتحقيق السلام لابد من ترسيخ القيم التالية وهي قيم نابعة من عقيدتنا ومجتمعنا
ومنها قبول الآخر إذ لابد أن نتقبل بعضنا البعض والإستفادة من التنوع الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والثقافي و إعتباره حق فطري رباني مع قبول الرآي الآخر ، بجانب العدالة إذ أن العدل يتطلب التمييز الإيجابي للضعفاء والفقراء والمتأثرين بالحرب بتقديم الخدمات وتوفير الفرص في كافة المجالات ، بجانب المساواة
إذ أن جميع مواطني الولاية لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وفقآّ للدستور والقوانين بغض النظر عن خلفياتهم الإجتماعية والسياسية وغيرها ، ويؤكد الدكتور عاطف عجيب المحاضر بمركز السلام بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بضرورة الدعوة الى التعاون والتكافل بإعلاء قيم التعاون والتكافل بين افراد المجتمع من اجل التماسك وتعزيز السلم الإجتماعي .
ويبين البروفيسور حاج أبا آدم أن التسامح يأتي كقيمة أخلاقية جوهرية فلابد من إعلاء قيمة التسامح بين مكونات المجتمع عبر ترجمتها في برامج و مشروعات عبر المؤسسات الرسمية والشعبية ثم الإخلاص وهو إخلاص النوايا في كل الاعمال لوجه الله تعالى.
وقد حدد المحاضرون والمدربون عبر الورش والدورات التدريبية أسباب النزاعات بالولايات الدارفورية وربما بجنوب كردفان والنيل الأزرق في الصراع حول السلطة والموارد ، وسؤ إدارة وإستخدام الأراضي الذي أدي لنشؤ الصراعات، بجانب ضعف الوازع الديني وإنتشار الأمية وضعف ثقافة الحوار وقبول الرآي الآخر.
أما الأسباب غير المباشرة بحسب المدرب محمد عطا فتتلخص في سوء إدارة التنوع وتفشي العنصرية والقبلية وضعف المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ، علاوة على الحدود المفتوحة مع دول الجوار مما أدى لتفاقم النزاعات مع ضعف الوعي المجتمعي بالقوانين وضعف آليات تنفيذ القانون
وتبين الدكتورة آفاق محمد صادق من جامعة بحري أن لهذه النزاعات آثار سالبة بتفكك وتمزق النسيج الإجتماعي ونزوح ولجوء قطاع كبير من المواطنين ، علاوة على إنتشار الفقر والظواهر السالبة وإنتشار السلاح والجرائم والعنف المجتمعي.
بينما انحصرت الحلول التي لخصها البروفيسور فائز عمر جامع في التنمية الشاملة والمستدامة المتوازنة ، وتوفير الخدمات الأساسية لكل شرائح المجتمع ، والإسراع في جمع السلاح المنتشر في أيدي المواطنين ، متزامنا مع إحتكار الدولة للقوة المادية وحماية المواطنين ، والإهتمام بالتدريب والتأهيل لكافة الشرائح ، مع ضرورة وحتمية إستخدام الفنون والعادات والتقاليد في تعزيز ثقافة السلام ۔
وخلص البروقيسور فائز عمر جامع من مركز دراسات السلام بجامعة بحري الى أهمية إحقاق الحقوق للمواطن بحقوقه الاجتماعية والحق في السلام والبيئة السليمة والتنمية ,تكفلها جميع الديانات السماوية والمواثيق والتشريعات الدولية والاقليمية والوطنية , وتأتي توصيات هذا المحور لتعزيز هذه الحقوق وهي حق الإنسان في الحياة والأمن والسلام المستدام وحق الانسان في تلقي الخدمات جميعها ۔
ويطالب الدكتور عاطف عجبب من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بتضمين (التعليم ،العلاج،الخدمات). كأهداف للتنمية المستدامة في برامج الولايات المستهدفة مع حماية حق التعبير ومشاركة الفرد في السياسات العامة بالتشريعات والقوانين والآليات مع تمكين الشرائح الضعيفة وتمييزها إيجابيآّ في المجالات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية وفي المساواة أمام القانون.
فيما دعا البروف الحاج ابا آدم للإعتراف بالتنوع الثقافي وتمكين المجموعات من التعبير وإبراز ثقافتها في التشريعات والقوانين التي تحفظ وتحمي التنوع ، بتوعية وتدريب وتأهيل القيادات علي إدارة التنوع ، ومحاربة العنصرية والقبلية والإعلاء من قيمة قبول الآخر ، والإستفادة من القيم الدينية لتعزيز التنوع وقبول الآخر ، ووضع منهج تعليمي عن التنوع يدرس في المراحل التعليمية المختلفة ۔
خروج أول
الدولة كانت قد أمنت على المضي قدما في تعزيز ثقافة السلام وذلك بتكثيف العمل حتى يتم جمع آخر قطعة سلاح لتعود الطمأنينة الى بلادنا ، وشرعت في لتطبيق هذا العمل على أرض الواقع على مدى زمني محدد برفقة دعاة السلام والتعايش السلمي من العلماء والشيوخ ودكاترة الجامعات حتى يعود كل نازح الى مراتع صباه . ولكن الحرب والثورة وتقلبات كراسي الحكم في السودان اوقفت عجلة الامن والاعمار حتى غدى السودان كله خرابا ۔
خروج أخير
الآن نضع يدينا في ايدي علماء المشروع الوطني لإصلاح واعمار النسيج الإجتماع ( الوليد ) ، لنمضي معا لتحقيق غاياته السامية من اجل سودان ينعم بالحرية والمساواة وقبول الآخر والتعايش السلمي الى الأبد ۔
سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب المشروع الوطني لإصلاح واعمار النسيج الإجتماع ۔۔ رؤى جديدة من اجل سودان معافى من ويلات الحرب !!
