ضاقت بنا الحياة نحن أهل السودان ، حتى صار الكرم والجود بالموجود والاهتمام بالضيف والترحيب به (جنونا) لايقوم به الا ( مأفون) بحسب عامة المسحوقين الذين باتوا يعدون ويعددون الأرغفة التي يحملونها الى بيوتهم بقدر أعداد من يعولونهم ، وتراهم يولولون في وسائل النقل على سبيل التندر والفكاهة ، ولكنهم في دواخلهم يلعنون الفقر والجوع والعوز الذي يعيشون فيه منذ سنوات طوال حتى غدى طرق الضيف القادم من البعيد لباب أحدهم بمثابة السيل الجارف الذي لايبقي ولا يذر .
وبعد ان اندلعت الحرب المشؤمة التي أشعل أوارها ال دقلو بمعاونة بن زايد والتشادي كاكا وآخرون من جيراننا الأوغاد ، فإفتقر من كان مترفا ، وقتلوا آلاف البؤساء من عموم اهل السودان الذين كانوا قبل الحرب فقراء أصلا ، وبالكاد يجدون رزقهم ، فقتلتهم المليشا الملعونة جوعا ومسغبة بعد أن أخذت منهم حتى القليل الذي كانوا يدخرونه لليوم الأسود ۔
ولكن العلامة ابن عبد ربه الأندلسي سطر في كتابه الأشهر- العقد الفريد – ما يجعلنا نحن أهل الكرم والجود في السودان رغم ( بؤسنا الآني ) أن نعض بالنواجذ على هذه الخصلة مهما فعلت بنا نوائب الدهر والمليشيا قاتلها الله عاجلا غير آجل ، فقد ألهبت ظهورنا بسوء تخريبها للإقتصاد الوطني ، ويقول إبن عبدربه : ” ولو لم يكن في الكرم إلا أنه صفة من صفات الله تعالى تسمى بها، فهو الكريم عز وجل. ومن كان كريماً من خلقه، فقد تسمى باسمه، واحتذى على صفته .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ، وفي الحديث المأثور: الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله وفي الحسن والحسين عليهما السلام لعبد الله بن جعفر: إنك قد أسرفت في بذل المال. قال: بأبي وأمي أنتما، إن الله قد عودني أن يتفضل علي، وعودته أن أتفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني.
وقال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: أنت متلاف. قال: منع الجود سوء ظن بالمعبود. يقول الله عز وجل: ” وما أنفقتم من شيء فهو يخلقه وهو خير الرازقين ” ، وقال صلى الله عليه وسلم: أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً .
وفي مدح الكرم وذم البخل يقول ابن عبد ربه : قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصطناع المعروف يقي مصارع السوء ، وقال عليه الصلاة والسلام: إن الله يحب الجود ومكارم الأخلاق، ويبغض سفسافها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لقوم من العرب: من سيدكم؟ قالوا: الجد ابن قيس على بخل فيه. فقال صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوى من البخل؟ يقول الله تعالى: ” ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ” ، وقال أكثم بن صيفى حكيم العرب: ذللوا أخلاقكم للمطالب، وقودوها إلى المحامد، وعلموها المكارم، ولا تقيموا على خلق تذموه من غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتحلوا بالجود يكسبكم المحبة، ولا تقتعدوا البخل فتتعجلوا الفقر.
وكتب رجل من البخلاء إلى رجل من الأسخياء يأمره بالإبقاء على نفسه ويخوفه بالفقر. فرد عليه: ” الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم الفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً ” وإني أكره أن أترك أمراً قد وقع لأمر لعله لا يقع.
وكان خالد بن عبد الله القسري يقول على المنبر: أيها الناس، عليكم بالمعروف فإن الله لا يعدم فاعله جوازيه. وما ضعفت الناس عن أدائه، قوي الله على جزائه.
وأخذه من قول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه … لا يذهب العرف بين الله والناس
ويقول الله تعالى فيما أنزله على داود عليه السلام: من يفعل الخير يجده عندي، لا يذهب العرف بيني وبين عبدي.
وكان سعيد بن العاص يقول على المنبر: من رزقه الله رزقاً حسناً فلينفق منه سراً وجهراً، حتى يكون أسعد الناس به، فإنما يترك ما يترك لأحد رجلين: إما لمصلح فلا يقل عليه شيء، وإما لمفسد فلا يبقى له شيء.
أخذه الشاعر فقال:
أسعد بمالك في الحياة فإنما … يبقى خلافك مصلح أو مفسد
فإذا جمعت لمفسد لم يغنه … وأخو الصلاح قليله يتزيد
وقال أبو ذر رضي الله عنه: إن لك في مالك شريكين: الحدثان والوارث، فإن استطعت ألا تكون أبخس الشركاء حظاً فافعل.
وقال بزرجمهر الفارسي: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنها لا تبقى “.
خروج أخير
فالنعيد مواسم الكرم والجود بيننا عسى الله ان يرفع غضبه ومقته عنا قريبا ، وابدأوا ذلك في العطلات بإحياء عادة ( الضرا) في كل أحياء الخرطوم والولايات أسوة ب( تكايا ) الوزير صديق فريني المدير العام لوزارة الرعاية الإجتماعية بولاية الخرطوم ورفاقه في الشمالية ونهر النيل وكسلا والقضارف والبحر الآحمر وغيرها من الولايات الآمنة ، لعل دعوة جائع أشبعتموه ترفع عنكم غبن الفقر والعوز وجحيم الحرب الملعونة ۔
سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب تكايا فريني و(تلاتة أرادب عشا ) !!
