37.6 C
Khartoum
السبت, يونيو 21, 2025

سلسلة أبحاث ودراسات المشروع الوطني لإصلاح وإعمار النسيج المجتمعي السوداني(2) 🌻 المنظور الاستراتيجي لإصلاح المجتمع من خلال سورة الحجرات 🌻 ✍🏾 البروفيسور علي عيسى عبدالرحمن السبت 21يونيو 2025

إقرأ ايضا

*الدال على الخير كفاعله*
هذا الموضوع دلني على كتابته أستاذي الكبير الشيخ البروفيسور محمد عثمان صالح رئيس هيئة علماء السودان حيث قال لي: ( سورة الحجرات تحمل الكثير من معاني الإصلاح والإعمار المجتمعي تلك المعاني التي يعبر عنها المشروع الوطني لإصلاح وإعمار النسيج المجتمعي السوداني، فعليك بها ).
جاء في الحديث الصحيح عن انس بن مالك (أتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ رجلٌ يستحملُه( يطلب منه دابة للحمل ) فلمْ يجدْ عندهُ ما يتحملُهُ فدلَّه (النبي) على آخرٍ فحملَهُ( وجد عنده الدابة التي تحمله ) فأتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ فأخبرَه فقال إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 2670
| التخريج : أخرجه الترمذي (2670)

*عن سورة الحجرات*
سورة الحُجُرات هي سورة مدنية نزلت في العام التاسع للهجرة، وعدد آياتها ثماني عشرة آية، وهي من المثاني، ترتيبها في المصحف التاسعة والأربعون، نزلت بعد سورة المجادلة، وبدات بأسلوب النداء ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
ولقد أشتملت السورة على استراتيجيات إصلاح وبناء المجتمع وفقا لمنهج القرآن حيث استندت على الأساليب والوسائل التى تعين على بناء هذا المجتمع عمليا.

*سورة الحجرات وركائز بناء المجتمع*

*أولا :بيان أن أصل البشرية واحد*
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات الآية (13)}
والحكمة من جعل الناس شعوباً وقبائل كما يقول الإمام الرازى رحمه الله فى تفسيره: هى التعارف ، وفيه وجهان:
أحدهما: أن فائدة ذلك التناصر لا التفاخر.
ثانيهما: أن فائدته التعارف لا التناكر . فمجرد معرفة أن الأصل البشري واحد يعزز الترابط الإنساني تحقيقا لمعنى هذا الأصل .

*الركيزة الثانية : جعل التقوى معيار التفاضل لا العرق*
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )، الآية 13
ولقد طبق المسلمون هذا المبدأ فى واقع حياتهم فضربوا للبشرية المثل الأوفى فى المساواة واحترام كرامة الإنسان ، وأخرجوا لنا نماذج نتيه بها على مر الزمان : فلقد تزوج بعض الموالى من قريش: تزوج المقداد بن الأسود أخت الزبير بن العوام حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، وتزوج سالم مولى أبى حذيفة من فاطمة بنت الوليد بن عتبة، وتزوج بلال الحبشى عتيق أبى بكر الصديق (رضى الله عنهما) من أخت عبد الرحمن بن عوف .

*الركيزة الثالثة : بيان الرابطة الأخوية بين المجتمع المسلم**
قال تعالى :(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الآية : 10.
واقع هذه الإخوة بين المسلمين تترتب عليه استحقاقات يجب مراعاتها بين المجتمع المسلم ومن شأن هذه الاستحقاقات أن تزيد من ترابط المجتمع المسلم .

*الركيزة الرابعة : فض النزاع بين المجتمع المسلم ولو باستخدام القوة*
قال تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ).الآية 9
يبدأ حل النزاع بالإصلاح وفي حالة الفشل فض النزاع بالقوة من قبل السلطة المسلمة

*الركيزة الخامسة:عدم الانتقاص من قيمة الإنسان*
هذه الأخوة تمنع المسلم من إيذاء أخيه المسلم سواء بالسخرية أو اللمز (الطعن بالقول) او التنابز او استخدام مختلف الأساليب والوسائل التي من شأنها الإنتقاص من شأن المسلم .قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) .
إن السياق القرآنى ليرتفع بهذه الأخوة ليشعر المسلم أنه إنما يؤذى نفسه ويسئ إليها ، {ولا تلمزوا أنفسكم } .
نهى الإسلام عن التلوث بهذه الأمراض المجتمعيّة .

*الركيزة السادسة : اجتناب الظن السيئ والتجسس والغيبة*
نهى الأسلام عن الظن السيئ والتجسس والغيبة باعتبار كل هذا السلوك من شأنه أن يضعف تماسك المجتمع ويجعله عرضة للانهيار قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} (الحجرات).

*الركيزة السابعة : مراعاة مقاصد الإسلام وأخلاقه:*
قال تعالى : { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ 7 الحجرات)،
*الركيزةالثامنة :التثبت فى تلقى الأخبار ونقلها*
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}.
لاشك أن سوء الفهم والنزاع ينشأ بسبب نقل الأخبار غير الحقيقة ، لذلك سد الإسلام هذه الثغرة بالتثبت عن كل مايقال ، حتى لا يصاب قوم بجهالة .

*الركيزة التاسعة إعلاء قيمة البذل والعطاء*
حينما يرتقي المسلم في تدينه فكل شيئ يهون لديه بما في ذلك نفسه التي بين جنبيه قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} (الآية:15).
فهذا الأنموذج من الإنسان المسلم هو المناط به تكوين مجتمع فاضل .

*مجمل الآداب والقيم المجتمعية في سورة الحجرات*
من الآداب التي تناولتها سورة الحجرات ، الأدب مع الله (تعالى) ، ومع رسوله المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ومع كل فرد من أبناء الأمة، ومع غير المسلمين.
أدب المسلمين عند اختلافهم، وأدبهم عند بذلهم وجهادهم.
فقد اشتملت سورة الحجرات على جملة من القيم والأخلاق التي وردت إما نصا وإما دلالة كالصدق، التواضع، الزهد، الصبر، الحياء، التثبت، النصرة والنجدة، الإصلاح بين الناس، العدل، التآخي في الله، احترام الناس وتوقيرهم، حسن الظن، ستر المسلم على أخيه، البذل والسخاء، التعارف والتآلف، بر الوالدين، صلة الأرحام.
ونهت السورة عن الأخلاق السلبية إما نصا أو دلالة وهذه الأخلاق السلبية من المنقصات والأمراض المجتمعية التي تعكر صفو المجتمع ولابد من القضاء عليها كالرياء ، الكذب ، البغي، السخرية والاستهزاء، اللمز، التنابز بالألقاب، الغيبة، سوء الظن، التجسس، الكبر والعجب، المن .
هذا هو المجتمع الإسلامي الذي تبنيه سورة الحجرات وتلك معالمه، وهذه هي المبادئ والوسائل التي يقوم عليها.
نحتاج أن نبني مجتمعاتنا، وفق هذه السورة الكريمة، وهذا الهدى الرباني .

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة