36.4 C
Khartoum
الجمعة, يوليو 4, 2025

دور سفراء السودان في الخارج: قاطرة الاستثمار وإعادة بناء الوطن قلم وطني بقلم: خالد المصطفى إعلام لواء الردع

إقرأ ايضا

** دور سفراء السودان في الخارج: قاطرة الاستثمار وإعادة بناء الوطن **

قلم وطني

بقلم: خالد المصطفى
إعلام لواء الردع

في خضم التحديات التي يمر بها السودان، يبرز دور سفرائه في الخارج كجسر حيوي يربط بين إمكانات البلاد الواعدة وفرص الاستثمار العالمية. هؤلاء السفراء ليسوا ممثلين دبلوماسيين فحسب، بل هم سفراء الاقتصاد وحماة الرؤية الاستثمارية التي تُعيد تعريف صورة السودان في المحافل الدولية. فبينما تتشابك الأزمات السياسية والاقتصادية في الداخل، تمثل البعثات السودانية في الخارج أذرعاً استراتيجية لإبراز الوجه الإيجابي للبلاد واستقطاب الموارد من الخارج. إن تراجع الثقة في المؤسسات الرسمية داخل الوطن يمكن تعويضه، جزئيًا، بتحرك دبلوماسي خارجي فاعل يواكب التغيرات العالمية ويخاطب المستثمر بلغة المصالح والمنفعة المتبادلة.
.السفير اليوم يجب أن يكون أكثر من حامل لحقيبة ديبلوماسية، يجب أن يكون مبادرًا، متحدثًا بلغة المال والأعمال، قادراً على التفاوض والضغط والترويج لبلاده كرؤية وليس مجرد خريطة على الورق. كثير من الدول، خاصة في العالم النامي، حققت طفرات اقتصادية بفضل دبلوماسية نشطة لم تكتفِ بالمشاركة في الاحتفالات الرسمية بل نزلت إلى أرض الواقع وعملت مع أصحاب القرار ورؤوس الأموال. السودان أولى بهذه الرؤية، لا سيما في ظل ما يملكه من مقومات ضخمة وأراضٍ عذراء لا تزال تنتظر من يستثمرها.

.فن الإقناع: تحويل السفارات إلى منصات استثمارية:
التحول إلى دبلوماسية اقتصادية يتطلب قطيعة جذرية مع النمط التقليدي للعمل الدبلوماسي. يجب أن يصبح كل سفير رائد مبادرة في دولته المضيفة، يتعامل مع السفارة كمكتب للترويج التجاري والاستثماري. المطلوب ليس فقط تنظيم فعاليات موسمية بل إطلاق مبادرات دائمة مثل “مبادرة سفير الاستثمار”، حيث يتحول الدبلوماسي إلى ممثل تسويقي للمشروعات السودانية. على سبيل المثال، يُمكن للسفير في البرازيل استهداف الشركات الزراعية الكبرى هناك وإقناعها بإطلاق استثمارات مشتركة في مشاريع فول الصويا أو الذرة في القضارف.
.هذا النهج يتطلب فهماً دقيقًا لسيكولوجية المستثمر الأجنبي الذي لا يكفيه الحديث عن الموارد الطبيعية بل يحتاج إلى بيانات، ضمانات قانونية، حوافز مالية، ورؤية واضحة عن العائد على الاستثمار. هنا يأتي دور السفارة في تقديم عروض شاملة تتضمن فرص الاستثمار في الزراعة، التي لا تزال أكثر من 40% من أراضيها الخصبة غير مستغلة، وفي التعدين الغني بالذهب والكروم والنحاس والمعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى إمكانيات السودان في مجالات الطاقة الشمسية والرياح في ظل توجه عالمي للطاقة النظيفة.

.توحيد الجهود بمؤتمرات وندوات تصنع التحول:
.لن يتحقق النجاح دون تضافر الجهود بين البعثات الدبلوماسية والجهات الاستثمارية. المطلوب هو تنسيق سنوي لعقد مؤتمرات استثمارية في العواصم الكبرى، مثل دبي، بكين، باريس، اسطنبول، والقاهرة، بالشراكة مع الغرف التجارية، ومنظمات رجال الأعمال. على هذه المؤتمرات ألا تكون مناسبات احتفالية بل منصات تفاوض جاد مع جدول أعمال واضح، يشمل الترويج لمشروعات محددة مع دراسات جدوى مفصلة.
.في ذات السياق، من المهم تفعيل الندوات القطاعية المتخصصة، مثل “ندوة عن فرص الاستثمار في اللحوم السودانية” أو “منتدى التعدين السوداني الأوروبي”. هذه المبادرات، إن اقترنت بإعلام مؤسسي قوي، قادرة على كسر الصور النمطية السلبية حول السودان التي تروجها بعض الدوائر الإعلامية، خاصة في الغرب. ينبغي أن يستضيف السفراء مقابلات تلفزيونية وصحفية يُبرزون فيها النجاحات الاقتصادية مثل المناطق الحرة، والمبادرات الزراعية الحديثة، والبنية القانونية المتطورة للاستثمار.

.التنسيق مع وزارة الاستثمار بشراكة إستراتيجية:
.النجاح في جذب الاستثمارات لا يتوقف على جهد السفراء فقط، بل يتطلب تنسيقًا عضويًا وديناميكيًا مع وزارة الاستثمار. هناك ضرورة لإنشاء منصة رقمية موحدة بين الوزارة والسفارات، تُحدث باستمرار، وتشمل الفرص الاستثمارية، القوانين المُحدثة، التراخيص المطلوبة، والمشروعات ذات الأولوية. يجب أن تُزود السفارات بدراسات جدوى جاهزة ومحدثة حتى تكون قادرة على مخاطبة المستثمر بلغته وبلغة السوق.
.في هذا الإطار، من المهم إرسال وفود من وزارة الاستثمار لدعم الجهود الدبلوماسية بالخارج من خلال “أسابيع استثمارية سودانية” تُعقد في العواصم المؤثرة. التنسيق المحكم سيجعل الرسائل أكثر قوة ومصداقية، وسيسهم في تجاوز التناقضات التي تحدث حين يتحرك السفراء دون مرجعية واضحة، ما يؤدي إلى رسائل مزدوجة تضر أكثر مما تنفع.

.دبلوماسية القنوات الإعلامية بتغيير السردية:
.لعب الإعلام الاقتصادي الدولي دورًا كبيرًا في جذب الاستثمارات إلى بلدان مثل رواندا وفيتنام. يجب على سفراء السودان أن يُحسنوا استخدام وسائل الإعلام الدولية مثل “CNBC”، “بلومبرغ”، و”رويترز”، عبر دعوة مراسليها إلى السودان، أو التنسيق معهم لتغطية المؤتمرات السودانية بالخارج. كذلك يجب أن يكون للسفراء مقالات رأي دورية في صحف دولية يشرحون فيها آفاق الإصلاح الاقتصادي السوداني.
.في عالم اليوم، الصورة الذهنية تسبق الحقائق، ومن هنا يأتي الدور المحوري للإعلام في إعادة صياغة الرواية عن السودان، من بلد الأزمات إلى بلد الفرص. على السفراء استغلال علاقاتهم مع القنوات المحلية في دول التمثيل الدبلوماسي، لإبراز قصص نجاح رجال الأعمال الأجانب في السودان، والترويج لقصص ملهمة عن شباب سودانيين نجحوا في تحويل أفكار بسيطة إلى شركات رائدة.

.التحول من رد الفعل إلى الفعل الإيجابي:
.غالبًا ما اتسم أداء البعثات الدبلوماسية السودانية في السابق بنمط تقليدي يعتمد على انتظار التوجيهات المركزية، مما أدى إلى بطء في الاستجابة للفرص الدولية المتاحة. إلا أن المرحلة الراهنة، بما تحمله من تحديات وتحولات متسارعة في البيئة الدولية، تتطلب من السفراء تبني نهجٍ استباقي يعتمد على المبادرة الذاتية واتخاذ القرارات ضمن نطاق المسؤوليات الممنوحة لهم.
.التحرك الفعّال يتطلب أن لا تقتصر مهام السفارات على التمثيل الرسمي، بل تمتد لتشمل بناء جسور الثقة مع المؤسسات الاقتصادية في الدول المضيفة، واستكشاف الفرص التجارية المباشرة، وتقديم السودان كوجهة استثمارية واعدة من خلال العمل المستمر والمتجدد. هذه الجهود لا تعزز فقط من صورة البلاد الخارجية، بل تضع السفراء في موقع الشراكة الحقيقية مع القطاعين العام والخاص.
.ومن المهم في هذا السياق، أن تعتمد كل سفارة على خطة استثمارية ديناميكية، تشمل أهدافًا محددة زمنياً، ومؤشرات أداء قابلة للقياس، وآليات مرنة للتقييم والتعديل. هذه الخطط تسهم في تحويل العمل الدبلوماسي من نموذج الاستجابة إلى نموذج المبادرة، وتُسهم في توسيع دائرة التأثير السوداني في الأسواق العالمية.

.خلق ثقافة “السفير المستثمر”:
.تحقيق نقلة نوعية يتطلب تحولًا جذريًا في فلسفة العمل الدبلوماسي. السفير المستثمر هو الذي يرى في كل اجتماع فرصة لعقد شراكة، وفي كل دعوة فرصة لترويج السودان. يجب على السفراء أن ينزلوا إلى الميدان، يزوروا المصانع والمعارض، يحضروا منتديات القطاع الخاص، ويشاركوا في اجتماعات البنوك الاستثمارية.
كان دور السفير خالد فرح الفحل في باريس يمثل نموذجًا ملهمًا. تجاوز المراسم و البروتوكولية، وعمل على بناء علاقات اقتصادية حقيقية، تُرجم إلى استثمارات مباشرة، والبعض الآخر تحول إلى مذكرات تفاهم واتفاقيات تمويل.

.الخاتمة: الدبلوماسية الاقتصادية كفريضة وطنية اللحظة الراهنة ليست فقط فرصة، بل فرض عين وطني على كل سفير سوداني أن يتحرك لأجله. السودان لا يحتاج فقط إلى مدافع دبلوماسي، بل إلى مهندس اقتصادي يتحدث بلغة العصر ويخاطب العالم من موقع الممكنات، لا من موقع الشكوى.
.بناء وطن ما بعد الحرب لا يتحقق فقط بالمساعدات أو المؤتمرات الداخلية، بل بجذب رؤوس الأموال، وإعادة بناء الثقة الدولية، واستعادة السودان لموقعه في الخريطة الاقتصادية العالمية. السفراء هم نوافذ السودان نحو العالم، ومتى ما أحسنوا استخدام هذه النوافذ، أشرقت على السودان شمس جديدة.
.كما قال أحد الدبلوماسيين السودانيين في بروكسل: “نحن لسنا وسطاء، بل مهندسو مستقبل بلادنا”. هذه الروح هي ما يجب أن يقود المسيرة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة