32.4 C
Khartoum
الخميس, سبتمبر 18, 2025

قلم وطني | بقلم: خالد المصطفى إعلام لواء الردع .زيارة تاريخية: وزير الداخلية يُجدد العهد مع قوات الدفاع المدني:-

إقرأ ايضا

في خضم أزمة إنسانية غير مسبوقة وتحديات أمنية متصاعدة، اكتسبت زيارة وزير الداخلية السوداني لقوات الدفاع المدني رمزية عميقة تتجاوز مجرد البروتوكول الرسمي. إنها إشارة واضحة إلى الاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه هذه القوات في حماية الأرواح والممتلكات، ليس فقط في أوقات السلم، بل وفي ظل ظروف النزاع القاسية التي يشهدها السودان. فبينما تتوالى فصول الأزمة، يبرز الدفاع المدني كخط دفاع أول، يواجه النيران، وينتشل الضحايا من تحت الأنقاض، ويقدم يد العون للمتضررين، في مشهد يعكس صمودًا استثنائيًا في وجه الدمار. هذه الزيارة، وإن كانت تهدف إلى تجديد العهد والدعم، فإنها تسلط الضوء أيضًا على حجم التحديات الهائلة التي تواجهها هذه القوات، وعلى الحاجة الملحة لدعمها وتمكينها لتواصل مهمتها الإنسانية النبيلة في بلد يئن تحت وطأة الصراعات والكوارث.

. السياق التاريخي ودور الدفاع المدني:-
تأتي زيارة وزير الداخلية في وقت حرج يمر به السودان، حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية وتتزايد التحديات الأمنية. لقد أثبتت قوات الدفاع المدني السوداني، منذ نشأتها في عام 1907 مع بدايات خدمات السكة الحديد، ثم تطورها كفرقة مطافئ منظمة في عام 1952، قدرتها على التكيف والصمود في وجه الظروف القاسية. ففي بلد شهد عقودًا من الصراعات والكوارث الطبيعية، لم يقتصر دور الدفاع المدني على إطفاء الحرائق وتقديم الإسعافات الأولية، بل امتد ليشمل عمليات الإنقاذ المعقدة في مناطق النزاع، وإدارة الكوارث، والمساهمة في جهود الإغاثة الإنسانية. إنهم يمثلون ركيزة أساسية في الحفاظ على ما تبقى من البنية التحتية، وتقديم يد العون للمدنيين المحاصرين في مناطق النزاع، حيث تتضاءل فرص وصول المساعدات الأخرى. هذه الزيارة ليست مجرد لفتة تقدير، بل هي اعتراف ضمني بأن هذه القوات تعمل في بيئة بالغة التعقيد والخطورة، وتتطلب دعمًا استثنائيًا لمواصلة مهامها الحيوية.

.تحديات غير مسبوقة يواجه الدفاع المدني السوداني اليوم تحديات لم يسبق لها مثيل:-
تتجاوز بكثير المهام التقليدية التي اعتاد عليها. ففي ظل النزاع الدائر، أصبحت فرق الدفاع المدني تعمل في بيئة محفوفة بالمخاطر، حيث تتعرض البنية التحتية الحيوية للتدمير الممنهج. تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 60% من البنية التحتية في السودان قد دمرت . هذا التدمير يشمل المستشفيات، والمدارس، وشبكات المياه والكهرباء، مما يزيد من صعوبة عمل فرق الإنقاذ والإغاثة. على سبيل المثال، أدت حرائق ميناء بورتسودان، التي استمرت لأكثر من 72 ساعة في 2025 , إلى خسائر اقتصادية فادحة، وقدرت بعض المصادر الخسائر اليومية للميناء بملايين الدولارات . هذه الحوادث تضع ضغطًا هائلاً على موارد الدفاع المدني المحدودة بالفعل. علاوة على ذلك، فإن المعدات الحيوية للدفاع المدني قد تضررت بشكل كبير. على الرغم من عدم توفر أرقام دقيقة حول نسبة تدمير سيارات الإطفاء وقوارب الإنقاذ النهرية التابعة للدفاع المدني بشكل خاص، إلا أن التقارير العامة تشير إلى تدمير واسع النطاق للمركبات والبنية التحتية المدنية . هذا النقص في المعدات يعيق قدرة الفرق على الاستجابة بفعالية للحوادث. كما أن أنظمة الإنذار المبكر، التي تعد حاسمة في إدارة الكوارث، تعاني من ضعف ونقص في التغطية، مما يزيد من صعوبة التنبؤ بالكوارث والاستجابة لها في الوقت المناسب .

.الثمن البشري وبطولات الصمود –
إن الثمن البشري لهذه الأزمة لا يمكن حصره بالأرقام وحدها، فخلف كل إحصائية قصة معاناة وبطولة. ورغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة ومحددة لعدد شهداء ومصابي قوات الدفاع المدني السوداني في سياق النزاع الحالي، إلا أن التقارير العامة تشير إلى تضحيات جسيمة في صفوف العاملين في المجال الإنساني. ففي أم درمان، على سبيل المثال، تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال عدد كبير من الجثث في الفترة السابقة، في عملية معقدة تعكس حجم الكارثة والجهود الجبارة المبذولة . هذه القصص ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من نسيج أكبر من الصمود والتضحية. ففي ظل الظروف الراهنة، حيث يعاني أكثر من 11 مليون شخص من النزوح داخل السودان، يبرز دور الدفاع المدني في تقديم المساعدة للمتضررين . ورغم أن تأثير الدفاع المدني على أرقام النزوح لا يمكن قياسه بشكل مباشر، إلا أن استجابتهم السريعة للكوارث الطبيعية والبشرية تساهم في تخفيف المعاناة ومنع تفاقم الأزمة الإنسانية. إنهم يعملون في مناطق يصعب الوصول إليها، ويقدمون الخدمات الأساسية للمحتاجين، في محاولة للتخفيف من وطأة النزاع على المدنيين الأبرياء.

– من يُنقذ المنقذين :-
إن الدور الحيوي الذي تلعبه قوات الدفاع المدني في السودان يستدعي دعمًا عاجلاً وشاملاً من المجتمع الدولي والجهات المعنية. ففي الوقت الذي يواجه فيه السودان تحدي النسيان، حيث لم يحصل النداء الإنساني للسودان إلا على نسبة تمويل تتراوح بين 11% و 45% ، يصبح دعم هذه القوات أكثر إلحاحًا. هذا النقص في التمويل يؤثر بشكل مباشر على قدرة الدفاع المدني على توفير المعدات اللازمة، وتدريب الأفراد، وتوسيع نطاق عملياتهم لتغطية المناطق الأكثر تضررًا. إن الاستثمار في قدرات الدفاع المدني ليس مجرد مساعدة إنسانية، بل هو استثمار في مستقبل السودان واستقراره. فكلما كانت هذه القوات مجهزة ومدربة بشكل أفضل، زادت قدرتها على حماية الأرواح، والحفاظ على البنية التحتية، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار عندما ينتهي النزاع. إن مسودة تشريع صلاحيات الطوارئ، التي يتم تداولها، يجب أن تهدف إلى تعزيز قدرات الدفاع المدني وتوسيع صلاحياته لتمكينه من أداء مهامه بفعالية أكبر في أوقات الأزمات. يجب أن يضمن هذا التشريع توفير الموارد اللازمة، وتسهيل وصول الفرق إلى جميع المناطق، وحماية أفراد الدفاع المدني أثناء أدائهم لواجبهم. إنهم يستحقون أن يكونوا في قلب استراتيجية السلام عندما يشرق فجر جديد على السودان، فإعادة البناء تبدأ من حماية الحياة.

تثمين القيادة والتضحيات في معركة الكرامة –
.لا يمكن الحديث عن صمود قوات الدفاع المدني السوداني دون الإشادة بالدور القيادي الملهم الذي لعبه مدير عام قوات الدفاع المدني، الفريق حقوقي د. عثمان عطا مصطفى، الذي قاد المؤسسة بكفاءة عالية في أحلك الظروف. لقد جسّد نموذج القائد الوطني الذي لا يكتفي بإدارة الأزمات من خلف المكاتب، بل ظل حاضرًا ميدانيًا في خطوط المواجهة الأولى، يوجه، ويُشرف، ويشدّ من أزر رجاله في الميدان.
.إلى جانبه، كان لمساعديه من قادة الضباط الصف الاول، وضباط وضباط الصف، والجنود، دور بطولي لا يقل شأنًا. فقد شكلوا جميعًا جدارًا إنسانيًا صلبًا، تصدّى للنيران، وأنقذ الأرواح، وساهم في بث روح الأمل في أوساط المدنيين الذين عصفت بهم الحرب. إنهم لم يكونوا فقط منفذين للأوامر، بل كانوا رموزًا حقيقية للتضحية والانتماء والكرامة في معركة بقاء الوطن.
.في ظل الحرب، حيث تسقط كثير من المؤسسات تحت وطأة الانهيار، أثبتت قوات الدفاع المدني، بقيادة هذا الرجل المتفاني وكوكبة من قادة الصفوف الأولى، أنها درع صامت يحرس الحياة، وأنها قادرة، رغم شُح الموارد وخطورة المهام، على أداء رسالتها السامية بأعلى درجات الاحتراف والوطنية. إن تكريم هذه القيادة، ومن خلفها الكوادر كافة، هو واجب وطني وأخلاقي، ورسالة احترام لكل من اختار أن يكون في الصفوف الأمامية عندما ولى الآخرون.

. إن زيارة وزير الداخلية لقوات الدفاع المدني :-
هي أكثر من مجرد حدث بروتوكولي؛ إنها دعوة للتأمل في صمود شعب، وتضحيات أبطال، وحاجة ملحة للدعم. ففي ظل الظروف الراهنة، حيث تتشابك خيوط الأزمة الإنسانية مع تحديات النزاع، يظل الدفاع المدني هو الشريان الحيوي الذي يضخ الأمل في شرايين الوطن. إنهم ليسوا مجرد رجال إطفاء أو منقذين، بل هم رمز للصمود، وشعلة تضيء دروب الظلام، ومثال للتفاني في خدمة الإنسانية. إن إعادة بناء السودان تبدأ من حماية الحياة، وهذا لن يتحقق إلا بدعم كامل وغير مشروط لقوات الدفاع المدني، وتمكينها من مواصلة رسالتها النبيلة. فليكن صوتهم مسموعًا، ولتكن تضحياتهم محط تقدير، ولتكن زيارة وزير الداخلية بداية حقيقية لعهد جديد من الدعم والتمكين، حتى يشرق فجر السلام على السودان، ويستعيد عافيته بفضل جهود أبنائه المخلصين.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة