اتخذ رئيس مجلس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، قراراً جريئاً قضى بإنهاء تكليف الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة، في خطوة تحمل بين طياتها دلالات عميقة على جدية الدولة في إرساء معايير المحاسبة وتأكيد مبدأ الشفافية. فقد جاء القرار عقب عاصفة من الانتقادات التي طالت أداء المجلس في الموسم الماضي، وما تبعها من دعوات صريحة بضرورة التحقيق وكشف أوجه القصور.
هذا الإجراء لم يكن معزولاً عن سياق موضوعي، إذ استند إلى تقرير وافٍ أعدته لجنة تقصٍ شكّلها رأس الدولة للتحري في شبهات ومخالفات ارتبطت بإدارة شؤون الحجيج والمعتمرين. وقد فرغت اللجنة من أعمالها ورفعت خلاصة تحقيقاتها، التي كشفت عن ثغرات جديرة بالمعالجة، لتصبح أرضية راسخة لقرارات إصلاحية متتابعة.
ويرى المتابعون أن ما جرى يمثل بداية مرحلة جديدة، تتجاوز حدود التغيير الفردي إلى مشروع أوسع لإعادة هيكلة المؤسسات ذات الصلة بالملفات الدينية والخدمية. فالرسالة التي حملها القرار واضحة: لن يكون ثمة تسامح مع الفساد أو إخفاق الإدارات، وأن زمن الصمت على التجاوزات قد ولّى.
وفي ذات الاتجاه، يترقب المراقبون أن تُستكمل هذه الخطوة بتوجيه ولاة الولايات إلى إنشاء لجان تقصٍ داخلية لمراجعة إدارات الحج والعمرة في ولاياتهم، بغية إرساء مبدأ الرقابة اللامركزية وتوسيع دائرة المساءلة. إن تفعيل مثل هذه الآليات من شأنه أن يُسهم في تجفيف منابع الفساد، ويعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويؤكد أن الإصلاح مشروع وطني شامل لا يقتصر على المركز وحده.
إن هذا القرار لا يمكن أن يُفهم باعتباره مجرد تبديل إداري، بل هو فعل سياسي ورسالة إصلاحية عميقة، تعلن بداية عهد جديد يعيد الاعتبار لقدسية الشعائر ويصون حقوق الحجاج والمعتمرين. وما ستشهده المرحلة المقبلة من خطوات تنظيمية وتشريعية سيحدد ملامح الدولة القادرة على إدارة شؤونها بكفاءة، ويُعيد إلى مؤسساتها مصداقيتها وهيبتها أمام شعب يتطلع للعدالة والشفافية.
سبتمبر 2025