محمد عبدالله يعقوب
عبق نيوز
لعل الشعب السوداني عقب هجوم الجنجويد على القصر الجمهوري صبيحة 15 ابريل 2023 م قد اصيب ب ( السعر ) ٱي ( قرم اللحم ) بعد ان جاط ( الدعم السريع ) ارض السودان وقلب الموازين كلها وداس على القيم والمثل والاخلاق والعادات والتقاليد فهرب منه الجميع الى مناطق تواجد القوات المسلحة حامية الٱرض والعرض ، حينها اضحى اللحم عزيزا وفاكهته صعبة المنال ، هل تعرفونها ؟
هي وجبة سودانية خالصة ولا تتأتى إلا بـ(الأتي) والشطة الخضراء والبصل الأبيض والدكوة والليمون وربما تحتاج لـ(بوخة) في النار حتى ينعدل مزاجها لتعدل مزاج آكليها من النساء قبل الرجال وهي تكاد تكون محرمة على الأطفال ، لعلكم عرفتموها .. إنها (أم فتفت) أو (المرارة) معشوقة أهل السودان في ( الزمان السمح ) ، ولكنها الآن تمنعت وشاحت بوجهها تضامنا مع اللحوم بأنواعها بعد أن صار الحصول عليها – وأعني اللحوم – أغلى من ( لبن الطير ) ، ورغم أني لست من آكليها ( الحرفاء ) – وأعني ( أم فتفت ) ، إلا أنني أسعد عندما تجهزها أمي الحبيبة – أمد الله في عمرها – وتبدأ في أكلها في حبور ودعة قبل أن يصيبها مرض القاود اللعين– شفاها الله .
وأذكر أنني قد سألت الجزار عصام رحمة مرحوم الذي دخل ميدان (جزارة البطون) منذ نعومة أظافره وهو الآن قد تجاوز الستين بثلاث سنوات واستفسرته عن تخصصه فقال لي إنه (جزار بطون) ومختص في كل ما بداخل بهيمة الأنعام وأن أصحاب المهن من حوله في السوق يطلقون عليه (أخصائي باطنية) وليس ( بتاع كمونية ) كما يناديه ( الجهلاء من الناس – حسب قوله – وعلى جزار اللحم الصافي (الجراح) وعلى جزار الكوارع والعكو (أخصائي العظام) وضحك عالياً واستطردموضحاً أن البطون تعني (عفشة ) الضأن والبقر والماعز ويستخرج منها (أم فتفت)، الكبد والكلاوي والقلوب و الطوحال (أبودمام) .
صديقي عصام أبان لي أن الفرق بين (أم فتفت) و(المرارة) هو أن الأولى تستخرج من بطون البقر والثانية من بطون الضأن والماعز، وأردف أن مصابي مرض القاود لا يأكلون البقر لذلك يتجهون صوب المرارة ، كما أن كل الناس يأكلون المرارة في عيد الأضحى والمناسبات الكرامات والختان والزواج وأن زبائنه أهواؤهم شتى وأمزجتهم مختلفة ، فهناك من يحبها بقرى وآخرون يلجأون إلى الضان وهو جاهز لتلبية طلبات الجميع ولكنه أكد أن (أم فتت) من البقر أطعم من (مرارة) الضأن .
وعن صحن أم فتفت النموذجي من البقر قال إنه لا بد أن يحتوي على (أم مارقيت ، عرنون ، أم فتفت والأتي) وسيكون الصحن بعدها مكتملاً و(ظريف شديد)، حسب قوله ، وأن (الأتي) أو الصفراء منها ( الصيني ) – المضروب – و( الياباني ) الأصلي غير المحتوى على إضافة الماء التي يضيفها الجزار ليلبي حاجة الزبائن ( الطماعين) الذين يكررون له عبارة ( عليك الله زيدها شوية ) .
محدثي قال إنه عرف الجزارة منذ عام 1969م بحي الموردة (مسقط رأسه) بمدينة أم درمان وأن من أشهر الرموز الذين باعهم (أم فتفت ومرارة) العندليب الأسمر الراحل زيدان إبراهيم والراحل عبدالعزيز محمد داؤد وقريب الله الأمين والراحل بادي محمد الطيب والشاعر الراحل عوض أحمد خليفة وكذالك الرئيس الأسبق المشير الرحل عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب الذي كان يشتري اللحم منه دائما بلا أم فتفت ولا كمونية .
عصام شكا من وضع السوق الصحي وطالب بإعادة النظر في الأسواق وحول الأسعار – في ذلك الوقت – قال إنها مرتفعة جداً مقارنة بالسابق وأن أربعة رجال إذا أرادوا أن يأكلوا صحن (أم فتفت) حتى (الشبع) فإنهم مطالبون بدفع مبلغ خمسمائة جنيه بالتمام والكمال وأن أقل زنة منها بمائةوخمسين جنيها ولا توجد (أم فتفت) بأقل من ذلك وضحك وقال (الدولار غالي يا أخي ولا أنت ما متابع)، ورمى باللائمة على الحكومة التي تتحصل ضرائب باهظة في الطرق من المواشي المرحلة من مصادرها بالولايات مما يعني وضع قيمة الضريبة على (البهيمة) ثم يتم بيعها فيصبح سعر الكيلو (بالشيء الفلاني) حسب قوله ، عصام أكد أن النساء لحوحات في طلب زيادة أم فتفت وبعض الرجال أيضاً ونصح الجمهور بتجنب أم فتفت المثلجة والتي ظلت النهار بطوله عرضه للهواء وهي قابلة للتفسخ باليد كما يجب أن تغسل جيدا .
ومضت اربع سنوات بلياليها وإلتقيت بالمعلم عصام مرارة مرة أخرى وسألته ( المرارة كيف يا معلم وأسعارها كيف ) فضحك عاليا وقال لي ( والله في سنوات ثورة ديسمبر الأخيرة دي بقينا نخلص الكمونية وأم فتفت الساعة تمانية صباحا قبال جزارين اللحم ما يبيعو تلاتة كيلو ، والله الشعب السوداني بقى كموني خالص والله يستر من بتاعين الطعمية يختونا في الإحتياطي السنة الجاية ) ثم غادرته وهو يضحك ملء شدقيه .
خروج أخير
نعم جميعنا ( سعرانين ) حتى الجنرال البرهان ، فقد نسينا بطول امد الحرب وقبلها الثورة البائسة كيف يكون طعم طبق اللحم او المرارة المحرم على السودانيين بالداخل رغم وجود اكثر من 100 مليون راس من الانعام بالبلاد ( ابل ، بقر ، ضٱن ، ماعز ) ۔۔ سبحان الله ۔