محمد عبدالله يعقوب
متابعات: عبق نيوز
على إمتداد المساحة من محلية الرشاد مرورا بإبي جبيهة ثم قدير والليري نهاية بمحلية تلودي هناك تمرد آخر أخطر من ذلك الذي تقوم به قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي او الحركة الشعبية المتمردة بزعامة عبدالعزيز الحلو ،، وخطره يكمن في أنه لايمكن إصلاحه بإتفاقية سلام أو حوار وطني ، فهناك عشرات المقطوارات الصغيرة ذات العجلات الأربع تجرها تركترات ( بعلم الحكومة) دون دراية ودون تنظيم ودون تدخل من وزارة البيئة الإتحادية أو فروعها في الولايات ، والمؤسف أن بعض الجهات الحكومية تمارس ذات النهج بقطع مستمر لكل شجرة عملاقة أو متوسطة أو صغيرة .
فهناك آلاف العمال يعملون داخل الغابات كالسوس دون حسيب أو رقيب ، بل يقيم بعضهم المعسكرات من أجل الحصول على كميات كبيرة من الفحم النباتي ليلحقوا بالسوق المتعطش له بعد إستشراء ظاهرة ( الشوايات ) التي ضربت كل أنحاء بلادنا .
توقفنا قبل خمسة اعوام بمحلية أبوجبيهة ونحن في طريقنا الى تلودي ضمن بعثة المشروع القومي لتعزيز السلام ، توقفنا بالقرب من مجموعة عمال وبالقرب منهم مقطورة صغيرة وجرار زراعي وسألناهم لماذا تقطعون الأشجار ؟ فقال قائدهم بثقة زائدة : نحن فحامة وهذا رزقنا والأشجار ستنمو من جديد والناس يريدون الفحم والحطب . فقلت له ولكن قطع الأشجار سيحول منطقتكم الجميلة هذه الى صحراء قاحلة . فقال لي إن جده ووالده ظلوا يقطعون الأشجار ويصنعون الفحم منذ مئات السنين والأشجار تنمو ؟ فقلت له هل كانت هذه الغابة كهيئتها هذه عندما كنت أنت في سن الرابعة ؟ فقال لي لقد نقصت الغابة كثيرا حتى أنها الآن لا تعد غابة بالمعنى المفهوم . فقلت له إذا بعد عشر سنوات لن يجد إبنك شجرة واحدة ليقطعها ، لأن التصحر يحدث ويحتاج لشخص جاهل يساعده بقطع الأشجار والمسألة مسألة وقت ولكنه قصير جدا بحساب الأوطان . فقال لي هل أنتم من جهة مسؤولة عن الغابات ؟ فقلت له نحن مواطنون عاديون وقد لا نأتي الى هذا المكان ما بقيت لنا الحياة مرة أخرى ، ولكنه الوطن السودان الذي عماده الزراعة والرعي ، فإن تصحرت الأرض مات الحيوان وأصبحنا بلا زراعة وبلا رعي ، فقال لي إن الناس هنا يحتاجون للتوعية من أجل الحفاظ على الأشجار وأبان أنه لأول مرة يدرك أن قطع الأشجار يعني أن ولاية جنوب كردفان ستصبح مثل شمال كردفان أو الولاية الشمالية ، كما أنه كان لا يعرف كلمة تصحر التي يسمعها كثيرا في برامج الإذاعة السودانية .
إذن على الجهات المسؤولة أن تبدأ بالأرض ثم الإنسان ، ويحسب لمشروع تعزيز ثقافة السلام أنه بدأ في إعادة برمجة المواطن السوداني بقيم السلام والتعايش السلمي وقبول الآخر ، ولكن جهات أخرى ما زالت نائمة في مكاتبها في العاصمة الخرطوم او بورتسودان ، وجل عملها الحقيقي في الخارج في أطراف الولايات حيث المواطن الذي ولد ويعيش على الفطرة ويحتاج لبرمجة تتوائم مع التغيرات البيئية خاصة بعد زيادة عدد سكان السودان في الخمسين عاما الأخيرة الى أكثر من الضعفين .
خروج أول
أسعار المواد الغذائية في محلية تلودي لافرق فيها عن الخرطوم ، بل أن بعض الحاجيات تقل أسعارها عن العاصمة والناس يعيشون حياة هانئة ورغدة بعد أن جنوا محاصيلهم وملأوا ( دبنقاتهم) من الغلال وليس لديهم هاجس قوت اليوم ، وأحد المواطنين قال لي لقد عصرت جزء من فولي في العصارة وضمنت زيت الطعام ولدي البصل والصلصة الناشفة والويكة ( الضرابة) والدخن وقطعيع صغير من الماعز والضأن وثلاث بقرات للحليب ، ثم بعت جزء من المحاصيل وإبتعت لأسرتي الملابس ومن يمرض منهم نطببه بالأعشاب وهناك مستشفى شبه مجاني إن تفاقمت الحالة وبهذا فنحن لا نرتاد السوق إلا لشراء الباسطة أو الببسي أحيانا كنوع من الترفيه والتغيير ولن أذهب للعيش في الخرطوم إن قلدوني أعلى المناصب . فقلت له لماذا ؟ فضحك وقال لي : (والله نحن الرغيف ما بشبعنا ) .
خروج أخير
طرق ولاية جنوب كردفان وعرة جدا فقد إستغرقت رحلتنا من مدينة الرشاد الى مدينة تلودي ثمانية ساعات دون توقف والمسافة على الطبيعة لاتزيد عن155 كيلومتر بحسب السائقين ، وهذا إهدار للوقت ، ومعاناة للنساء والأطفال الذين يتنقلون بين تلك المدن عوضا عن صعوبة تحرك السيارات التي تسعف أصحاب الحالات الطارئة ، والحكومة بدأت في رصف الطريق وغيره من الطرق داخل الولاية ولكنها توقفت حتى بعد إكتمال الردميات التي أضحت هي نفسها عائقا بعد أن ضربتها الأمطار ونما فيها العشب والشجيرات الصغيرة .