بإستشهاد 54 مواطنا ومواطنة في سوق صابرين في العاشرة من صباح امس بتدوين مليشيا الدعم السريع للسوق الآمن ، وجرح 158 من المدنيين الذين أتوا للتبضع وحمل معاشهم واحتياجاتهم اليومية ، تكون المليشيا الإرهابية قد اكملت مثلث رعبها الدامي في ام درمان ، ونالت سخطا من الله عز وجل عليها لقتلها النفس التي حرم الله الا بالحق ، ونالت ايضا بغض وكره اهل السودان لكل مرتزق فيها الى يوم القيامة ، فلن يجدي الصلح بعد هذا ، بعد آن وقر السخط عليها في النفوس ، ولن تجدي الاتفاقيات والمشاورات التي تتحدث عنها الميديا الاقليمية والعالمية لايقاف الحرب نفعا ، فثد اتخذ الشعب السوداني قراره بإن الحل واحد وهو سحق هذه المليشيا بجميع من فيها بضربات جيشنا القوي واذرعه المختلفة حتى الموت ۔
الجنة والخلود للشهداء ، وعاجل الشفاءللجرحى والمصابين والخزي والعار والدمار لمليشيا الدعم السريع المأفونة وتابعوا مقدمات الاحداث ايها الاوغاد ۔
( 2 )
شهدت الإذاعة السودانية نهضة عمرانية وتقنية كبيرة في عهد مديرها الأسبق عوض جادين محي الدين حتى أتى عليها طائف من الدعم السريع فشتت شملها وحتما ستعود قريبا درة في اثير العالم .. ولكن أهل الابداع كانوا ناقمين على حادين بسبب ايقافه لتسجيل الأغنيات العاطفية منذ مجيئه وحتى ايامه الأخيرة لفترة امتدت أربعة عشر عاماً ازدهر فيها سوق الكاسيت باعتباره الوسيلة الوحيدة المتاحة وبالمقابل تمدد هابط الغنا واسعاً ، ومن المطربين الذين كانوا يرفضون نهج الايقاف المطرب الراحل خليل اسماعيل الذي قال لي في حواري معه نشرته آنذاك بصحيفة (الرأي الآخر) المتوقفة الآن ، وأنا أسأله عن مدى اهتمام مدير الاذاعة بالانتاج الغنائي الجديد قال بسخريته المعهودة : ( مع السلامة يا عوض جادين والماعرف هسه يعرف بعدين ) وبعدها اسلم الروح لبارئها بعد سنوات فرحل مبكياً عليه بقدر ابداعه الثر ، ومن بعد غادر عوض جادين الإذاعة الى التلفزيون ثم الي سونا ثم الى منزله عقب سقوط الانقاذ ۔
( 3 )
تغنى الفنان مجذوب أونسة في إحدى ليالي منتدى دار فلاح الجميلة قبل سنوات بباقة من أغنيات الحقيبة الشائقة ، وببراعة يحسد عليها ليدمر المقولة الشائعة (أعطى الخبز لخبازه) فقد قدم أونسى حينها سقفاً من التطريب والنطق الصحيح للمفردات والحضور المسرحي فاق به كل الذين قدموا هذا الضرب من الفن ، حتى أن أحد الشيوخ الذين كانوا يجلسون بالقرب من الزميلين عبد الباقي خالد عبيد وعثمان جقود صاح مطالباً أونسة بأن يتجه للغناء الشعبي ، ليس لأن ما يقدمه عبر الأوركسترا (ما جايب حقو) بل لأنه أجاد هناك وأبدع هنا والشيخ يحب أغنيات الحقيبة فحسب ، أونسة قدم رائعة الحقيبة (الليلة الأسد جاي من جبال الكر) بكل قوتها وصداميتها وشحنتها العالية من الفحولة والإقدام والشجاعة المتفجرة فارتفعت كل أيادي الرجال بدار فلاح بعد أن سرى فيهم هذا الاكسير العجيب بالصياح والهتاف والهز والتبشير ) وبعد أن فرغ منها مازح الجمهور بعفويته المعهودة (والله ناس زمان ديل كانوا رجال خالص) وأردف: (وهسي يجيك واحد يقول أضربني بي مسدسك) والعبارة الأخيرة تجعلنا نشفق على حال شبابنا من أنفسهم بعد أن سلكوا طريق الغناء الرخيص على تلك الشاكلة .
فما عاد حتى الحب يحمل قدراً من القدسية لدى الشعراء الشباب الذين (يمولون) مصانع (الألحان) بالشعر الغنائي لينداح في مواعين المجتمع العطشى لكل جديد .
فالمرأة أصبحت لا تهمهم كثيراً وبعض شعرائنا يرددون للتي هجرته (ريدتك انتي شنو عشان علي تحرم.. انتي لا هيفاء لا نانسي بت عجرم) في تجني واضح على المرأة السودانية التي أوجدته وزاملته والتي ستعيش معه زوجة في داره، علماً بأن المطربتين اللتين كانتا مقياساً للأنوثة يراهما بعض العرب وكل الاسلاميين فتاتين خارجتين عن النص تماماً، ولكن ثقافة الثأر سيطرت على قريحة الشاعر وأراد أن ينتقم من امرأة واحدة فإنتقم من كل نساء السودان في شخص محبوبته التي هجرته .
فماذا بعد أن يصبح إرث وردي، محمد الأمين، حمد الريح، شرحبيل أحمد، البلابل، الموصلي، عبد القادر سالم، محمد ميرغني، صلاح مصطفى، عثمان مصطفى، زيدان ابراهيم، كابلي، مجذوب أونسة، صلاح بن البادية، زكي عبد الكريم، اللحو، كمال ترباس وغيرهم من الرواد والذين أخذوا عنهم نسياً منسياً.. وتخيلوا معي الأغنية السودانية في عام 2050م ستكون إن شاء الله كصحن كوكتيل من جزر البهاما مليئاً (بعجة الموز مع شوربة الضفادع وأرجل أبو جلمبو مع موسيقى حبشية زائيرية هندية مزينة بصولات مستمدة من أصوات الحمير) ومفردات تحتوي على جميع الأواني المنزلية والملابس و(شمار) آخر (ونسة) سمعها شاعر الأغنية من أصدقائه ليلة أمس قبل تلحينها ، وحينها قطعاً ستصبح الأغنية السودانية عالمية الانحدار وكونية المدار ولا عزاء لأهل الدفوف والطار .