عدت من عملي إلى البيت اليوم مبكراً، بسبب الأعياء الذى يسببه لي عادةً آلام المصران. لا أظن أن هناك سودانياً لا يشتكي من مصرانه! فطلبت من زوجتي تحضير كوب عصير بعد أن تناولت مجموعة من الحبوب.. لقد أصبح جيبي صيدلية متحركة!.. بعدها قصدت سريري بالغرفة التي بالقرب من الصالون. ولم تمض خمس دقائق، لم يغمض لي خلالها جفن حتى حضرن جارات زوجتي وجلسن يثرثرن بالصالون..حاولت النوم وقد تعكر مزاجي وصرت اتقلب في السرير، فهذا الوقت ليس وقت زيارة ! وصرت استمع لصوتهن رغماً عني وهو يرتفع وينخفض وأحياناً ينقلب إلى همس وتنهيد..فسمعت جارتنا منى وهي تشتكى من أولادها وعدم سماعهم لكلامها وكلام الأكبر منهم.. بل وأصبحوا كثيرو الجدل والمحاججة حتى مع أبيهم؟! وزعمت انهم سببوا لها الضغط. وقالت آمنة وهي تكاد تبكى: ولدى أمجد أخشى أن يصاب بمرض لا نستطيع أن نعالجه..فهو حساس ، وطباعه مختلفة عن أخوانه.. وفى الأونة الأخيرة أصبح ينتقد والده في كل صغيرة وكبيرة.. حتى ان والده بدأ يتضايق منه” وقالت زوجتي : والله أولاد الزمن ده عايزين المسايرة والمصاحبة عشان نفهمهم..”. وقالت أخرى: “وهم أولادنا ذاتهم ما لاقينهم..اليوم كله .. الولد الصغير ماسك الموبايل، والبنت خلت التلفزيون لأخوها وبقت قاعدة قدام الكمبيوتر.. قالوا بخشوا حاجة اسمها الانترنت.. وأنا الشغل وجع لي ضهري.. وقالوا عايزين خدامة” وقاطعتهم سهام : “ماسمعتم بالولد الضرب أبوه، ودخلوه الانعاش..” فقالت أكثر من واحدة منهن وبصوت واحد : نحن نبرأ من جنس ده.. ثم ضحكن وهممن بالانصراف بعد أن شربن العصير والشاى..
كل هذا الوقت وأنا أسمعهن، ولم أنم، يبدو ان مصائبهن قد خففن مصيبتي وآلامي! فقمت لأصلي العصر الذى حان وقته بالمسجد القريب وقد رجعت لي عافيتي..
وأنا ذاهب بالشارع سمعت صوت شجار في أحد البيوت وحديث لوم شديد من رجل ثم صفعة قوية وأمرأة تبكي وتصرخ.. ثم تصمت”. يبدو أنها مشكلة بين عثمان جارنا وزوجته ، تم حسمها. لم يكن بمقدوري أن أتدخل وواصلت طريقي إلى المسجد.
وأنا عائد من المسجد حاولت أن أسلك طريقاً أخر، ولكنى سمعت هذه المرة رغماً عني أيضاً صوت جارتنا سيدة وهى تصرخ في زوجها وتطلب منه الذهاب إلى السوق وإحضار شئ.. وفعلاً شاهدت زوجها يخرج من الباب فوراً، وهو رجل نحترمه. فسارعت الخطى أمامه كي لا أحرجه.
وجعلت أفكر في أحوال هذه الدنيا التى لا تصفو لأحد. وتذكرت المشهدين الأخيرين: رجل يهزم امرأة ، وامرأة تهزم رجل..!! وأخذت بتلقائية أصفر و أصفق بيداي، وقلت.. فالنتيجة تعادل ..
فمر بقربي راكب دراجة هوائية في تلك اللحظة، لا أعرفه ، وقال لي : لا والله مغلوبين بقونين !!
(!!!)
حكاوينا. ◇◇◇ حاتم الأمين داموس : النتيجة تعادل..!!
