في ضوء الجدل الدائر حول شرط حيازة الجنسية السودانية الوحيدة دون غيرها لشاغلي المناصب السيادية وتكليف الدكتور كامل الطيب إدريس برئاسة الوزراء، وهو صاحب جنسية أخرى حسب شرط «عدم حمل جنسية دولة أخرى» وينصُّ البند من الوثيقة الدستورية الانتقالية على أن رئيس وعضو مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل «سواءً كانوا سودانيين بالميلاد أو اكتساباً، فلا يحملون جنسية دولة أخرى». أُدرج هذا الشرط لضمان استقلال القرارات السيادية وحماية البلاد من أي تدخّل خارجي محتمل وفي المسودات الأولى للتفاوض بين المجلس العسكري «وقحت » لم يُوضَع بند الجنسية بوضوح، لكنّه أُضيف في المراحل النهائية ضمن الشروط الواجب توفرها لدى شاغلي المناصب السيادية قبل التصديق عليه. وقد بدا للبعض وكأنه مستحدث بعد تكليف الدكتور إدريس، في حين أنّه جزء أصيل من الوثيقة منذ توقيعها ولم يصدر أي تعديل دستوري أو مراسيم خاصة تُغيّر هذا الشرط قبل 19 مايو 2025، تاريخ صدور المرسوم الدستوري الذي حمّل الدكتور إدريس مسؤلية رئيس مجلس الوزراء . وبما أن الرجل يحمل جنسية ثانية، فلماذا هناك استثناءات تضعه في هذا المنصب
من بين القرارات التي اتخذها المجلس الانتقالي مؤخراً تعيين الدكتورة سلمى عبد الجبار المبارك عضواً بمجلس السيادة إلى جانب شخصيات وطنية أخرى. وتشير هذه الخطوة إلى حرص المجلس على تمثيل كفاءات متعددة وتأكيد روح الشراكة في إدارة المرحلة الانتقالية وإنَّ تكليف الدكتور إدريس بهذا المنصب في هذه الظروف المعقدة لا يعكس إلا الثقة في قدرة الرجل على قيادة مرحلة تتطلب تصفية إرث سنوات من الحرب، ومواجهة تبعات النزاعات الأمنية والاقتصادية. وفي هذا الإطار، لا تقع المسؤولية بمفردها على عاتق رئيس الوزراء؛ بل هي واجب جماعي على كل مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية كما يظل هاجس تهديدات الطيران المسيَّر وانعدام الأمن في مناطق عديدة، ما يحتم تقديم كل العون للقوات المسلحة والدعم اللوجستي لها لتأمين الحدود وحماية المدنيين. ولا يتحقق الاستقرار إلا بتضافر الجهود بين المدنيين والعسكريين، وبعيدا عن أية انقسامات قد تهدد أمن الوطن ونؤكد أن النص الدستوري الخاص بالجنسية لم يُستحدث مؤخراً، بل هو ركن ثابت في الوثيقة الانتقالية . وما نراه اليوم من تعيينات وتشكيل مؤسسات جديدة إنما يعكس التصميم على البناء الوطني المشترك، ونؤمل أن تتضافر كل الجهود لدعم رئيس الوزراء الجديد، والدفع بملف السلام والإصلاح إلى الأمام في خدمة السودان وشعبه.
وانا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة