42.7 C
Khartoum
الأحد, يونيو 8, 2025

مسارب الضي … د. محمد تبيدي : الشهيد المهندس الطيب الأرباب شهيد عطشه شارون في وطن جريح

إقرأ ايضا

في زمنٍ صار فيه الشرف حلماً، والكرامة تهمة، رحل الطيب الأرباب… شهيداً العطش والنسيان، شهيد الإنسانية في أرضٍ أنهكتها أفعال مليشيا آل دقلو الإرهابية، وأضناها جفاف الرحمة. وفي أحد معتقلات مليشيا آل دقلو المُتمردة، بمنطقة الصالحة جنوبي أم درمان، لفظ المهندس الطيب أنفاسه الأخيرة، لم يستُشهد برصاص المجرم شارون، بل لأنه أُعدم بالعطش… مات ظمآناً في بلدٍ يشقه النيل نصفين وبالقرب من معتقله وهذا دليل على اعدامه بوحشية، ولا يرويه أحد.

اختُطف الطيب في أكتوبر 2024، من قريته الوادعة “السريحة” بولاية الجزيرة، حيث كانت الحياة تمر بهدوء الحقول، وطمأنينة النيل الأزرق. لم يكن مجرماً يستحق عقاب، بل كان إنساناً، ومواطناً صالحاً ومهندساً بارعاً، عُرف بين أهله بالسخاء والصدق، وبنى في قلوب الناس جسراً من الطيبة، ثم مات، فوق جسرٍ من الإهمال والخذلان لم يكن رقماً في سجل الاعتقال، بل كان رقماً صعباً في معادلة الوفاء، ترك خلفه زوجة تئن، وأبناء يسألون
من الذي قتل أباهم؟
ولماذا اعدم عطشاً؟
والإجابة واضحة قُتل على يد مليشيا آل دقلو المُتمردة، كما قُتل غيره، لا لذنب سوى أنهم ظلوا أوفياء للوطن، في زمنٍ صار فيه الوفاء تهمة ويا لسخرية الأقدار أن يُطاردك العطش، بينما تمضي زوارق النيل أمام عينيك، أن تموت بلا ماء في وطن الماء، وبلا دواء في أرض الحكمة، وبلا رحمة في بلدِ الطيبين. الباشمهندس الطيب اعدم ظمآنًا… على يد مليشيا آل دقلو المُتمردة، وماتت معه أسئلة كثيرة، وأسئلة أكثر لم تُسأل بعد
أين ذهبت الانسانية؟
من دفن الرحمة في تراب الوطن؟
ومن سرق الماء من أفواه العطاشى؟
اهم أمثال عمر شارون من مليشيا الدعم السريع المُتمردة
رحل الباشمهندس الطيب، لكن موته لن يكون خبراً عابراً، ولا فقرة تُطوى في نشرة المساء.
موته ذاكرة، وجُرح في ذاكرة، ونقطة دم تسيل على جبين وطنٍ يُجلد بسياط جلاد مليشيا آل دقلو الإرهابية وفي السجونهم، كثيرون كـ الطيب، ينتظرون دورهم في العطش، في الموت، أو في المعجزة…
لا نقول الا مايرضي الله
إنا لله وإنا إليه راجعون
نم قرير العين يا طيب الذكر، فقد كنت حياً في زمن الموت، ومات ضمير من قتلك وأنت حيٌّ فينا.
سَجلوك غائباً… وسجلتك السماء شهيداً.
نسوك في الأرض… وخلّدك الله في ذاكرتنا الموجعة.

الباشمهندس الطيب الأرباب… ما كان طيفاً، بل طيباً باقٍ، في وطنٍ ما زال يبحث عن اسمه، عن إنسانيته، وعن قطرة ماء وسط صمت العالم وجرائم مليشيا آل دقلو المُتمردة لا تتوقّف وفي مشهد اختزن كل ملامح الانحدار الأخلاقي والوحشية المفرطة، ظهر أحد عناصر مليشيا الدعم السريع المُتمردة، المدعو عمر شارون، وهو يمد يده الآثمة إلى لحية الباشمهندس الطيب الأرباب الشيخ الطاعن في السن، في لقطة لا تشبه شيئاً سوى الغدر، ولا تعبّر عن شيء سوى التجرّد التام من كل معاني الإنسانية. عُرف هذا المتمرد باسمٍ مستعار استقاه من تاريخ الاحتلال والإجرام، فـ”شارون” لم يكن يوماً رمزاً يُحتذى، بل قاتلًا سفّاحاً يلاحقه العار حتى بعد مماته. واليوم، يُبعث ذلك الاسم من جديد في جسد هذا المرتزق، ليكون شاهداً على انحدارٍ آخر تمارسه مليشيا آل دقلو المُتمردة، التي جعلت من الإذلال والاعتداء على الشيوخ والأبرياء سياسة ممنهجة لا تعرف رحمة. وفي الفيديو الذي صدم الملايين، يُشاهد عمر شارون وهو يمسك بلحية الشيخ الكبير، بعنجهية القتَلة، وبعينين خاليتين من الرحمة وهذه اللقطة ليس مجرد انتهاك عابر، بل إعلان واضح عن سقوط أخلاقي مدوٍّ، وخروج عن كل الأعراف والقيم السودانية التي لطالما عظّمت الكبير، ووقّرت الشيخ، وصانت الوقار.
شلت يداك يا عمر شارون.
ما فعلته لن يُمحى من الذاكرة الجمعية لهذا الشعب، ولا من أرشيف الجرائم التي ستُعرض يوماً في قاعات العدالة الدولية.
عارك سيتبعك أينما حللت، في شبرا أو غيرها، في السر والعلن، لأن هذا الشعب وإن جُرح، لا ينسى.
وإن تأخرت العدالة، فهي لا تتقادم.
ستُسأل عن كل يدٍ امتدت بالذل، وكل عينٍ نظرت باستعلاء، وكل لحظةٍ اغتصبت فيها كرامة شيخٍ لا يملك سوى ضعفه… وسيردّ عليك التاريخ بلسان الشعوب: “هنا مرّ القاتل عمر شارون” وجريمتك يا شارون لا تنفصل عن سلسلة طويلة من الانتهاكات المرتكبة على يد مليشيا الدعم السريع المُتمردة، بقيادة المتمرد محمد حمدان دقلو (حميدتي)، القاتل الذي استبدل البدلة العسكرية برداء المليشيا ، وسفك الدم كمنهج وسُلطة.
ولن يفلت كفيلك محمد بن زايد، الذي غمس يده في دماء السودانيين من بعيد، ممولًا ومدبّراً، يشتري الدم بالمواقف، ويغسل سمعته بضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم أحبوا وطناً مُبتلى بالخيانة.

يا عمر شارون…
قد تفر من عدالة الأرض، لكنك لن تفر من دعوات الأمهات، ولن تحتمي من وجع الكرامة حين تنهض من تحت الركام.
سيكتب اسمك في سجلات العار، لا كبطل، بل كقزم من أقزام الخراب، وواجهة أخرى من وجوه الهزيمة الأخلاقية لمليشيا مُجرّدة من كل ما هو إنساني.
والتاريخ، وإن كتب الشهداء المنتصرين المخلصين من أبناء الوطن أولًا… فإنه لا ينسى الخونة امثالك.

وانا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة