النقاش الدائر اليوم بين اهلنا في السودان ليس حول التضحية في ذاتها بقدر ماهو حول ما يُضحَّى به لعدم قدرة غالب الناس على شراء نوع من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، لقوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}، ثم ان الٱشتراك لسبعة من الأسر قاصر على الجمل والبقر فقط دون الغنم/الخراف، ومعلوم أن الخروف اليوم في الأسواق السودانية تتجاوز قيمته الخمسمائة ألف جنيه على الأقل، وهو فوق طاقة غالب الأسر السودانية اليوم.
الأصل في الأضحية قوله تعالى: {فصلّ لربك وانحر} 2الكوثر، أي صلّ صلاة العيد وانحر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعمن لم يضحِّ من أمته. رواه ابن ماجه، والطبراني في الأوسط، قال الهيثمي: وإسناده حسن.
وعن جابر رضي الله عنه قال: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد بكبشين، فقال حين وجههما: “وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته”؛ رواه ابن ماجه.
واختلف الفقهاء في حكم الأضحية بين الندب وهو مذهب الجمهور، والوجوب (على كل غني موسر) وهو مذهب أبي حنيفة، وبه قال ربيعة والليث بن سعد والأوزاعي والثوري ومالك في أحد قوليه، خاصة مع وجود حديث: “من كان له سَعة ولم يضحِّ فلا يقربنّ مصلانا” (رواه ابن ماجه والحاكم والدراقطني).
الخلاصة:
هناك مايستند إليه من أقوال بعض السلف بجواز الأضحية بمأكول من غير بهيمة الأنعام، قال بذلك ابن عباس وبلال من الصحابة رضي الله عنهم، حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: “يكفي في الأضحية إراقة الدم ولو من دجاجة وأوز” (رواه عبد الرزاق، وابن حزم بإسناده، والبيهقي)، وقال سُوَيد بن غَفَلة: سمعت بلالًا يقول: (ما أبالي لو ضحيت بديك)،
وإلى هذا الرأي الموسّع ذهب ابن حزم الأندلسي فقال: “والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر، كالفرس، والإبل، وبقر الوحش، والديك، وسائر الطير والحيوان الحلالِ أكلُه”. وتابعه على هذا يوسف بن حسن المقدسي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن المِبْرَد (ت909هـ) وكتب رسالة عنوانها: “الرد على من شدَّد وعسّر في جواز الأضحية بما تيسر”. وقد عزا فيها ابن المبرد إلى “جماعة من العلماء” قولهم: إن “الأضحية يجزئ فيها كل ما يَحل أكله من طائر وذي أربعٍ مباحٍ” ثم قال: “وهذا الذي أختاره وأقول به”. وقال الشيخ إبراهيم الباجوري (ت1860م) في إحدى حواشيه: “كان شيخنا يأمر الفقير بتقليد ابن عباس، ويقيس على الأضحية العقيقةَ، ويقول لمن وُلد له مولود: عُقّ بالديكة على مذهب ابن عباس”.
أقول وبالله التوفيق:
ان الدين يسر، وطالما أن الأضحية في الأصل عند الجمهور ليست واجبة الا على الغني القادر عليها، ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضحى عن فقراء أمته، وحال أهلنا في السودان معلوم بسبب هذه الحرب، وهي من شعائر الله التي يُؤجر فاعلها ولا يأْثم تاركها وإن كان غنيا قادرا عليها.
عليه أقول وبالله التوفيق:
من كان مضحيا ولايملك ثمن الأضحية فليضح بدجاجة أو ديك.
والله أعلم
adilassoom@gmail.com
يا أهلنا في السودان، من لايملك ثمن الأضحية فليضح بدجاجة. عادل عسوم
