– في وقتٍ يتطلع فيه آلاف النازحين السودانيين إلى العودة لمنازلهم بعد شهورٍ من النزوح و التشرد القسري، تبرز معاناة نازحي ولاية الخرطوم بولاية القضارف كواحدة من أكثر القصص إلحاحًا ووجعًا. فبين خيام النزوح والأحياء التي تحضنهم مؤقت، وبين دفاتر التسجيل ووعود العودة، يعيش نازحي ولاية الخرطوم في لحظة انتظار ثقيلة، يتقاسمون فيها اليأس والتفاؤل بقدرٍ متساوٍ.
– رغم اكتمال الجهود المجتمعية والمبادرات الشعبية مع لجان التنسيقية بالاحياء وبعض التنسيق مع الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية، لا تزال خطة العودة الطوعية لا تراوح مكانها لا تزال في مكانٍ موحل بالبيروقراطية والتجاهل، وكأن عودة هؤلاء النازحين ليست أولوية وطنية، أو كأن العاصمة يمكنها أن تُبنى من جديد دون أبنائها.
– في ولاية القضارف، يعيش عشرون ألف نازح من الخرطوم، كالاجئون داخل الوطن، يحملون مفاتيح بيوتٍ تنتظرهم، ويتوسدون الحنين كل ليلة. لم يُترك هؤلاء نهبًا للعشوائية، بل شقّوا طريقًا من التنظيم الذاتي، حين شُكّلت لجنة تطوعية لاسناد نازحي ولاية الخرطوم من داخلهم قبل أربعة أشهر. لجنة وُلدت من رحم الأزمة، وساندتها أمانة الحكومة، لتضع خطة واضحة ومكتملة المعالم للعودة.
– تم تسجيل الأسماء بدقة، وجُمعت البيانات، وأُنجزت كل التحضيرات اللوجستية، وكان يمكن لتلك الخطة أن تتحول إلى نموذج وطني، لو وُجدت الإرادة الحقيقية. لكنّ الأمل سرعان ما اصطدم بجدار التنفيذ وانتم تعلمون ما اقصد . لا قرارات، لا مخصصات، لا جدول زمني. في الوقت ذاته، انطلقت حملات عودة لولايات أخرى ( ولاية الجزيرة وسنار وسنجة) بسلاسة، ما جعل نازحي الخرطوم يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وبالدونية لا احد من المسئؤلين يسارعهم الامر الذي ينتظروه طويلا تعبوا من الانتظار ينتظرون قرار الجهات المعنية لترحيلهم .
– جاءت أولى البشائر حين تلقت اللجنة موافقة مبدئية من منظمة “زوي” الإنسانية لتوفير أربعين بص لترحيل النازحين، مع وعود إضافية بتقديم سلال غذائية ودعم نفسي، خاصة للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. بل إن المنظمة تعهدت بإقامة فعاليات ترفيهية أثناء يوم التدشين لتعدد الفرحة وتخفف من وطأة الفقد وكان ذلك على لسان مسئول المنظمة الاستاذ ماهر. وكل المسجلين واعضاء اللجنة ينتظرون قرار المنظمة قبل العيد ولكن تاخر نسبة لم يتم الامضاء على تصديق البصات من قبل مدير المنظمة ولكن الحمد لله في اليوم الثالث بعد على لسان الاستاذ ماهر تم التصديق بالاربعين بص لصالح لجنة اسناد نازحي ولاية الخرطوم وعمت الفرحة كل النازحين واعضاء اللجنة ولكن غير أن الفرح لم يكتمل. فقد فوجئت اللجنة بتحويل هذه البصات إلى جهةٍ أخرى دون إخطارها، في خطوةٍ أربكت كل الاستعدادات، وخلقت صدمة حقيقية داخل أوساط النازحين.
– حين استفسرت اللجنة من مسئول المنظمة الاستاذ ماهر ، نفت المنظمة علمها بذلك التحويل، وأكدت أنها بصدد مراجعة الأمر مع الجهة المعنية . ولم تمر سوى أيام بعد الاجتماع الختام الذي تم عرض فيه تصديق منظمة زوى و وعمل اللجنة طيلة فترة الاربعة اشهر من تسجيل ورصد بيانات ومتابعة اوراق النازحين وكان الاجتماع في مكتب الوافدين امانة الحكومة وبذلك وعدت أمانة الحكومة بتخصيص ألف بص جديد اثناء الاجتماع ويتم منحه عبر ديوان الزكاة. كانت لحظة أملٍ نادرة، لكنها لم تدم طويلًا. فبعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة، تم تحويل الاربعين بص الذي قامت التصديق به منظمة زوى بعد ابلغنا الاستاذ ماهر الجهة المسئولة عن المنظمات قامت بغير وجهةٍ البصات الى طرف اخر ، ومن هنا حاء الشعور القاسي على نفسيات النازحين كانو ينتظروا ترحيلهم الذي تم تحديده في الاجتماع الختامي المقرر له الموافق يوم الاحد 22/ 6/ 2025 م يوم تدشين ترحيل النازحين بحضور السيد والي ولاية القضارف ولكن خاب امل النازحين وكأن صوت نازحي الخرطوم غير مسموع، وكأن القرار لا يعنيهم.
– كل ذلك لم يحدث في فراغ. فخلف هذه العثرات، هناك وجوه شاحبة، وأطفال فقدوا مدارسهم، وكبار سن ينتظرون رحلة العودة بعيونٍ أنهكها الأمل المؤجل. اللجنة، التي حملت هذا العبء لأسابيع طويلة، لم تعد تملك ما تقدمه سوى الاستقالة الجماعية، بعد أن تأكد لها أنها تُدار دون إشراك، وأن ما تم التخطيط له على الورق، أُفرغ من مضمونه في دهاليز المكاتب.
– “كنا جاهزين بكل شيء، لكن الجهات لم تمنحنا الضوء الأخضر”،
– بهذه الكلمات المؤلمة لخّص رئيس اللجنة الموقف. وهي كلمات تُجسد ما يشعر به عشرون ألف إنسان ينتظرون لحظة اعتراف رسمي بمعاناتهم.
– لكن السؤال الأخلاقي الذي يجب أن يُطرح هنا بقوة: من المسؤول عن سرقة حلم العودة؟ ومن يجرؤ على العبث بقرارات تمس مصير آلاف البشر؟ الجهات المختصة ليست بعيدة عن دائرة الذي حدث ، بل هي في مركزها. لقد أظهرت تلك الجهات، بصمتها وقراراتها المتأخرة أو المرتبكة، استخفافًا بمعاناة النازحين، وكأنهم عبء زائد لا ينبغي أن يُزعج أجندتها اليومية.
– من غير المقبول أن تظل هذه المؤسسات تتعامل مع قضية العودة وكأنها خيار قابل للتأجيل، أو كأنّ ضياع أربعة أشهر من الجهد الشعبي أمرٌ يمكن مسحه بكلمة اعتذار باهتة. من غير المقبول أن يتصرف بعض المسؤولين كما لو أنهم أوصياء على إرادة النازحين، يقررون وحدهم متى يعودون، وكيف، وبأية وسيلة.
– نحن لا نطلب امتيازًا، ولا نسعى للفت الانتباه لمكاسب خاصة. مطلبنا بسيط، مباشر، وعادل: تنفيذ خطة العودة التي تم الاتفاق عليها، وتخصيص البصات التي تم التصديق بها، وتمكين اللجنة من المشاركة في كل خطوات التنفيذ، لأن غيابها لا يُبرر إلا بتهميش صوت النازح نفسه.
– نناشد السيد رئيس مجلس السيادة سعادة الفريق اول البرهان الموقر
– ونناشد السيد الدكتور كامل الطيب ادريس رئيس الوزراء الموقر
– ان يقفوا ويساندوا وان يكونوا القلب الرحيم لنازحي ولاية الخرطوم بولاية القضارف.
– ونحن نناشد السيد الوالي ولاية القضارف بان يقف معنا وان يفتح ابوابة مكتبه للجنة التي طرقت به ثلاثة مرات وهي على ابوب مكاتبه وواجهت بالصد عبر مدراء مكتبه،
– نحن نطالب الجهات المختصة عدم تغيبنا واشراكنا وتنسيق معنا في ترحيل نازحي ولاية الخرطوم
– ونطالب ديوان الزكاة، المنظمات الإنسانية ان تسارع بالتنسيق معنا للبدء في تدشين عودة نازحي الخرطوم. ونحن نقول لكم ان العودة الطوعية ليست مناسبة إعلامية، بل واجب أخلاقي، ومسؤولية تاريخية. والخرطوم ليست مجرد جغرافيا، بل روح تُبنى بأيدي أهلها. وإذا كنا نريد للوطن أن يتماسك من جديد، فلنبدأ بردّ هؤلاء إلى بيوتهم، قبل أن نطالبهم بالولاء والانتماء.
. العودة حق، لا مكرمة. وهي واجب وطني لا يقبل التأجيل. الخرطوم جرح مفتوح يمكن شفاؤه إذا تضافرت الإرادات، وإذا سُمعت الأصوات الصادقة الآتية من القضارف، تلك العاصمة البديلة التي احتضنت أبناء الخرطوم حين تخلى عنهم الجميع.
– تحت شعار: “الخرطوم تُبنى بأيدي أبنائها”
بقلم: لجنة إسناد نازحي ولاية الخرطوم بولاية القضارف.
العاصمة المنسية: قصة عشرين ألف نازح من الخرطوم ينتظرون العودة بين صمت المؤسسات ووعود الرياح بقلم: لجنة إسناد نازحي ولاية الخرطوم بولاية القضارف
