25.9 C
Khartoum
السبت, نوفمبر 8, 2025

الدعوة لحملة استباقية للاصحاح البيئي وبذلك قوات الدفاع المدني بولاية البحر الاحمر تتصدى للأمراض المنقولة بالبعوض قبل قدوم الخريف ** قلم وطني بقلم: خالد المصطفى

إقرأ ايضا

. في إطار الحرب الاستباقية ضد الأوبئة والأمراض المنقولة بالنواقل، وبخطوة عملية تعكس إدراكاً عميقاً للمخاطر الصحية الموسمية، انعقد الاجتماع التنسيقي الثالث لقوات الدفاع المدني بولاية البحر الأحمر يوم الخميس الموافق السادس عشر من أكتوبر عام 2025م. هذا التجمع، الذي جاء برعاية مباشرة من مدير شرطة قوات الدفاع المدني بالولاية اللواء شرطة / أحمد محمد حميدان، لم يكن مجرد اجتماع روتيني، بل كان محطة حاسمة لتوحيد الجهود وبلورة رؤية استراتيجية شاملة لتدشين حملة الإصحاح البيئي الطموحة، وهي الحملة التي تُعَد امتداداً نوعياً للحملات الناجحة التي نفذتها قوات الدفاع المدني في ولايات سودانية أخرى، مستندة إلى مبادرة كريمة من مديرها العام والأمين العام للمجلس القومي للدفاع المدني، وذلك في تنسيق وثيق مع وزارة الصحة والسلطات التنفيذية والجهات المعنية ولجان الأحياء والأسواق لضمان تحقيق أعلى معدلات النجاح.

. الخلفية الاستراتيجية والهدف المحوري:-
لا تأتي هذه الحملة عن فراغ، بل هي استجابة مبنية على دراسات وبائية وتجارب سابقة تثبت فعالية التدخلات الوقائية قبل ذروة المواسم الوبائية. فالأمراض المنقولة بواسطة البعوض، مثل الملاريا وحمى الضنك والشيكونغونيا، تشكل تهديداً صحياً كبيراً في مناطق مثل ولاية البحر الأحمر، حيث تخلق الظروف المناخية والبيئية موطئاً مثالياً لتكاثر هذه الحشرات ونقل الأمراض. وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، لا تزال الملاريا واحدة من أهم أسباب الامراض والوفيات في إقليم شرق المتوسط، مع تأثر ملايين الأشخاص سنوياً. وتكمن عبقرية المبادرة الحالية في طابعها الاستباقي؛ فهي تهدف إلى ضرب أماكن تكاثر البعوض والقضاء على بؤر التلوث البيئي قبل حلول فصل الخريف الشتوي، الذي يشهد عادةً هطول الأمطار مما يخلق تجمعات مائية راكدة تكون بمثابة حاضنات طبيعية للبعوض. هذا النهج الوقائي يتوافق مع التوصيات العالمية التي تؤكد أن كل درهم يُستثمر في الوقاية يوفر ما يقارب خمسة إلى عشرة دراهم من التكاليف المرتبة بعلاج هذه الأمراض والتعامل مع آثارها الاقتصادية.

. التخطيط الاستباقي وقراءة التحديات:-
إن استباقية الحملة هي جوهر نجاحها المتوقع. فقد أكد اللواء شرطة/أحمد محمد حميدان مدير قوات الدفاع المدني ولاية البحر الاحمر ، في سياق النقاش الذي دار خلال الاجتماع، أن الانتظار حتى ظهور الحالات الوبائية هو منهجية بالية وغير منطقية في مواجهة التحديات الصحية الحديثة. الخريف الشتوي يقترب، والفترة التي تفصلنا عنه هي نافذة زمنية حرجة يجب استغلالها بأقصى طاقة لتنفيذ عمليات الرش الضبابي، وتنظيم حملات تنظيف شاملة للقضاء على النفايات والاوساخ والمخلفات التي تمثل بيئة خصبة لتكاثر البعوض. الدراسات الحديثة الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها تشير إلى
أن التدخلات المتكاملة لإدارة النواقل، التي تجمع بين المكافحة الكيميائية والبيولوجية والمشاركة المجتمعية، هي الأكثر فعالية في خفض أعداد البعوض ومنع تفشي الأمراض. هذا هو النهج الذي تتبناه الحملة، مما يعكس فهماً عميقاً لديناميكيات انتشار الأمراض وسبل كسر حلقات انتقالها.

. التنسيق بين الجهات هو نموذج للعمل المتكامل:- لم يكن الاجتماع مجرد تجمع لأصحاب الرتب والعناوين الوظيفية، بل كان نموذجاً حياً للتكامل المؤسسي. فالحضور شمل ممثلين عن قطاعات حيوية مختلفة، مما يؤكد أن قضية مكافحة الأمراض المنقولة بالبعوض هي قضية وطنية تتجاوز الحدود الضيقة للقطاع الصحي. فوجود مدير قوات الدفاع المدني بهيئة الموانئ البحرية السيد العميد شرطة / عبد الله الصافي ، السيد مدير قوات الدفاع المدني وزارة النفط السيد العميد شرطة / فتح العليم، والسيد مدير قوات الدفاع المدني بوزار الكهرباء المقدم شرطة / إبراهيم محمود محمد، بالإضافة السيد المقدم شرطة / قمر الدين محي الدين قوات الدفاع المدني وزارة النفط والسيد المقدم شرطة / خالد عبد الله محمد المصطفى قوات الدفاع المدني ولاية الخرطوم والسيد دكتور / خالد الشيخ ممثل وزارة الصحة ولاية البحر الاحمر يرسخ لمفهوم “الصحة في جميع السياسات”. هذا التنوع يضمن معالجة المشكلة من جميع الجوانب: فالموانئ تمثل بوابات دخول محتملة للأمراض، ومنشآت النفط والكهرباء غالباً ما تكون مواقع لعمالة كبيرة وتجمعات سكانية تحتاج إلى حماية، كما أن تبادل الخبرات مع ولاية الخرطوم يثري التجربة. إن هذا النسيج من التعاون، الذي يضم أيضاً الخبرة الطبية المتمثلة في ضابط الصحة الدكتور خالد الشيخ العوض، هو الضمانة الحقيقية لشمولية الحملة ونجاحها، حيث أن كل جهة ستسهم من خلال نطاق مسؤوليتها ومواردها.

. المحور المجتمعي هي حجر الزاوية في الحملة:-
تدرك قوات الدفاع المدني، من خلال تجاربها الميدانية الممتدة، أن أي حملة مهما بلغت قوة إمكاناتها التقنية والمادية ستظل محدودة الأثر دون غرس الوعي وحشد المشاركة المجتمعية الفعالة. لذلك، جاء التأكيد في الاجتماع على التنسيق المباشر مع لجان الأحياء ولجان الأسواق و والدور الكبير الذي سوف يقدمه المدير التنفيذي بَمحلية البحر الاحمر للحمله الاستباقيه لقوات الدفاع المدني للاصحاح البيئي في تسهيل مهامها . فبدء الحملة من الأسواق ليس اختياراً عشوائياً، بل هو قرار تكتيكي مدروس، إذ تمثل الأسواق بؤراً للازدحام البشري ونقاطاً لتجمع القمامة والمخلفات العضوية، مما يجعلها بؤراً محتملة لانتشار الأمراض. من خلال العمل مع قادة المجتمع المحلي وممثلي الأسواق، يمكن للحملة أن تضمن وصول الرسائل التوعوية حول أهمية النظافة الشخصية والمنزلية، وخطورة ترك المياه راكدة في أوعية، وأعراض الأمراض المنقولة بالبعوض. كما أن المشاركة المجتمعية تسهل عمليات الرش والتفتيش، وتكسر حاجز الخوف أو اللامبالاة لدى بعض المواطنين. تجارب دولية، كما في حالة سنغافورة التي تمكنت من السيطرة على حمى الضنك، تثبت أن برامج التوعية المستمرة والمشاركة النشطة للمواطنين هي الركيزة الأهم في استدامة أي برنامج لمكافحة النواقل.

. الجاهزية لانجاح هذه الحمله والخطوات القادمة:-
واوضح إن العبارة التي ختم بها التقرير، “حتى تكون الجهات المعنية وقوات الدفاع المدني على أعلى جاهزية”، ليست مجرد شعار، بل هي التزام عملي. الجاهزية هنا تعني توفر المعدات والموارد البشرية ، وجود خطة زمنية مفصلة، وآلية واضحة للرصد والتقييم. الخطوة المبدئية التي تم الاتفاق عليها، وهي البدء بحملات مكثفة على الأسواق بعد التنسيق الدقيق مع لجانها والمدير التنفيذي لتحديد اليوم والزمان، هي مؤشر على أن الحملة ستنتقل من حيز التخطيط إلى حيز التنفيذ الفوري. هذا يتطلب تعبئة لوجستية ضخمة، من حيث توفير مبيدات آمنة وفعالة، وآلات الرش، وفرق ميدانية على أعلى مستوى، ونظام لتجميع البيانات ومتابعة التقدم المحرز يومياً. إن ضمان هذه الجاهزية هو الضمان الوحيد لتحقيق الهدف الأسمى من الحملة، وهو تقليل نسبة الأمراض والوفيات المرتبطة بالبعوض بعد حلول فصل الخريف في مدينة بورتسودان وبقية أنحاء الولاية، وبالتالي حماية الاقتصاد المحلي والحفاظ على استقرار المجتمع.

. في الختام إن اجتماع التنسيق الثالث لقوات الدفاع المدني بولاية البحر الأحمر ليس مجرد حدث إداري عابر، بل هو تجسيد لإرادة وطنية جماعية تضع صحة المواطن وسلامته في مقدمة أولوياتها. من خلال الجمع بين الرؤية الاستباقية، والتخطيط العلمي المدروس، والتنسيق المؤسسي غير المسبوق، والمشاركة المجتمعية الفاعلة، والجاهزية الحملة الاستباقية، تُرسي هذه الحملة نموذجاً يُحتذى به في إدارة الأزمات الصحية والحد من الأوبئة. نجاح هذه المبادرة لن يُقاس فقط بعدد الحالات التي تم منعها، بل بالثقافة الوقائية التي ستغرسها في المجتمع، وبالنموذج التعاوني الذي تؤسسه لمواجهة التحديات المستقبلية، مما يجعل ولاية البحر الأحمر، بجهود أبنائها وتضافر مؤسساتها، درعاً واقياً يحمي صحة الأمة ويدفع بعجلة التنمية المستدامة إلى الأمام.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة