28.5 C
Khartoum
الأحد, ديسمبر 7, 2025

التراحم جوهر الإنسانية الذي يربط بين القلوب( 1 ) بقلم: أسامة الصادق ابو مهند

إقرأ ايضا

التراحم هو الرابط الذي ينسج بين القلوب، ويجعلنا نشعر بآلام الآخرين وآمالهم. هو العطاء بلا مقابل، والرعاية بلا شروط. التراحم يجعل الحياة أكثر جمالاً وعمقاً، ويخلق مجتمعات أكثر تماسكاً ورحمة. في التراحم نجد إنسانيتنا الحقيقية، من خلال التعامل مع الآخرين برفق واحترام، من زاوية إحترام اختلافاتنا وتقدير تجارب الآخرين. لأن التراحم بلا شك يخلق روابط قوية بين الناس، ويساعد على فهم مشاعر بعضنا البعض. وعندما نتراحم، نعبر عن إنسانيتنا من خلال التعاطف والتضامن، الذي يعزز الشعور بالانتماء للمجتمع من خلال التراحم والمشاركة في الأنشطة التطوعية من مبادرات وبرامج تساعد المحتاجين وتعزز التضامن المجتمعى بعد
الاستماع والتفهم لمعضلاتهم وتقديم الدعم لهم بإهتمام لاحتياجات ومشاكل الآخرين من خلال التواصل الفعال الذي يحث على تعزيز قيم التواصل مع الجيران والأصدقاء والعائلة، وبناء علاقات قوية مبنية على الاحترام والتفاهم، علاوة على تعزيز قيم التسامح والاحترام بنشر ثقافة التسامح والاحترام بين أفراد المجتمع، والعمل على حل النزاعات بطرق سلمية وبناءة.

• الرحمة إحساس يتولد فى قلوب البشر نتيجة الإيمان بالخالق العظيم والاعتصام به. فجانب من جوانب الإيمان يتحدد فى اليقين بالحساب وبأن يوم الحساب آت، وفيه يعاقب الله من يقسو ويتعسف ويهدر الحقوق، ويرحم فى المقابل الراحمين، لذلك فالإيمان والاعتصام بالله هو المقدمة الأولى التى تؤدى إلى دخول المجتمعات تحت مظلة الرحمة.. قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)… هناك نتيجة مهمة ترتبط بدخول المجتمع تحت مظلة الرحمة تتمثل فى الاستقامة والاعتدال وسيطرة حالة من التوازن داخل المجتمع؛ التوازن بين حقوق الفرد والمجتمع، التوازن بين العمل للدنيا والآخر، التوازن فى الواجبات والحقوق بين أفراد المجتمع من رجال ونساء، كبار وصغار، أغنياء وفقراء.
إن نقيض الرحمة يتحدد فى (الطغيان) طغيان البشر بعضهم على بعض… يقول تعالى: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) ، فأولى وأخطر الخطوات التى يتخذها المسيطرون على المجتمعات حين يريدون وضع يدهم على مقدراتها بغير وجه حق هى إشاعة الطغيان، بما يؤشر إليه من معانى القسوة والقهر والسحق، وغير ذلك من معانٍ تتعاكس مع معنى الرحمة، وغياب الرحمة داخل مجتمع يجعل الخوف يسيطر على أفراده، فيميلون إلى الاستسلام وترك المسيطرين يعيثون فيه فساداً، بل وقد يتحول الصغار الخائفون أيضاً إلى المشاركة فى الفساد والإفساد والتخريب، والمثل السائر يقول: (لو بيت أبوك خرب الحق لك فيه قالب)
فالمجتمعات التى تغيب عنها الرحمة يسودها اليأس بما يترتب عليه من نتائج خطيرة.. يقول تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) . غياب الأمل يؤدى إلى كفر الإنسان بالواقع، وزهده فيه، وإهماله، وعدم الاكتراث بما يمكن أن تنتهى إليه الأحوال داخله.
ويقدم المجتمع المكى، قبل بعثة النبى، نموذجاً على المجتمع الذى غابت عنه الرحمة وسيطر عليه الطغيان، بما يمكن أن يترتب عليهما من فساد وإفساد وسيطرة اليأس على المجموع، فقد كان كبار تجار قريش يسيطرون على كل شىء فى مكة، ويطغون على غيرهم من العاديين داخل المجتمع: الفقراء والعبيد والموالى، وكانت الخلقات الأقوى تقهر الأضعف، فالرجل يقهر المرأة، والكبير يقهر الصغير، والسيد يقهر العبد، والغنى يقهر الفقير وهكذا، كان الكبار يعيثون فساداً بطغيانهم، والبسطاء يستسلمون لحالة يأس كامل من أن يتغير الواقع من حولهم. وفى هذه اللحظة البائسة اليائسة أرسل الله تعالى نبيه محمد إلى أهل مكة، وكان جوهر رسالته(الرحمة) .. قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)… لذلك تجد أن أول من استجاب للنبى، صلى الله عليه وسلم، هم البسطاء والضعفاء من أهل مكة، لأنهم كانوا متعطشين إلى الرحمة، لقد شبع هؤلاء من الفظاظة والغلظة وقسوة القلب، ووجدوا فى الإسلام طاقة نور تشع بالرحمة، فانطلقوا إليها راضين مرضيين.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة