في منعطف تاريخي حاسم، تشهد الساحات العالمية اليوم تحولاً جوهرياً في طبيعة القوة الشعبية المنظمة. هذا التحرك العالمي المتزامن ليس مجرد رد فعل عاطفي على مأساة إنسانية، بل هو تصعيد استراتيجي مدروس لمواجهة نظام دولي متخصص في تحويل المعاناة إلى إحصاءات مجردة. في قلب هذا الحراك، يتبلور وعي الشعب السوداني ومقاومته الشعبية في وقفة حقيقية تصطف خلف قواتها المسلحة، وتعيد تعريف مفهوم السيادة بل تذهب إلى أبعد من ذلك فتُفوِّض القوات المسلحة، لتتعهد بحماية الشعب السوداني وتلبي تطلعاته نحو مستقبل أفضل. هذا الاصطفاف الواسع لكل سحنات الشعب السوداني وأطرافه خلف القوات المسلحة يمثل تحدياً وجودياً لنموذج “الدبلوماسية الشعبية الهادئة” ويقف ضد “الحلول الواهية” التي تعاملت بها الأطراف الدولية ودويلة الشر مع الأزمات المعقدة المفتعلة التي فرضتها دويلة الشر والأطراف الدولية على السودان، حيث كُشفت زيف الادعاء بالحياد لدى البعض، كما كُشفت التواطؤ الفعلي لدول الجوار المستمر في دعم مليشيا الدعم السريع لخلق دوامة العنف في السودان ضد الشعب السوداني، وذلك من خلال تمويل دويلة الشر الإمارات ودعمها بالسلاح والآليات مليشيا الدعم السريع وحتى تحارب ضد القوات المسلحة.
لقد تتطورت على مدى عقود آلية معقدة لهندسة التجاهل الدولي المخطط له لاستمرار الحروب المفتعلة وذلك لإرهاق الدول، وبذلك تُخلَق كوارث إنسانية مصطنعة مخطط لها في النهاية لخلق مسببات للتدخل الأجنبي لتقسيم السودان ونهب موارده. وأصبحت دويلة الشر دولة شيطانية تتولى هذا المخطط بالوكالة من الأطراف الدولية، وهي أمريكا والدول الأوروبية التي تعمل بدورها على الضغط على الأمم المتحدة باستخدام بند من بنودها للتدخل الأجنبي لتقسيم السودان. هذا المخطط الشيطاني تتبناه الإمارات لا سلمها الله وحتى يصبح ملف الحرب مجرد ملفات إدارية في أدراج المنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة. أما ملف حرب السودان فمنظمة الأمم المتحدة تديره بأولويات وبحسابات سياسية ضيقة. وفي هذا الإطار، قامت الأمم المتحدة بتصميم خطاب دولي متخصص في إنتاج “قلق دولي ” مسبق مخطط له عبر قنوات إعلامية تمتلكها دويلة الشر، لخلق تضليل إعلامي وإبعاد تهمة تمويل مليشيا الدعم السريع بالسلاح. وتنظر الأمم المتحدة إلى كل مشاهد هذه الحرب دون اتخاذ إجراءات او تطلق “إدانات” للمليشيا أو دويلة الشر يفعلو في سودان ما يفعلوا دون محاسبة، أيضا “تدعو لحوار واهي” بين أطراف غير متكافئة. كما تنسق مع منظمات دولية أخرى بطرق ملتوية. وهنا، تستفيد دويلة الشر من الفجوة الدولية لتمويل الإرهاب الدولي وشراء الضمائر، وهي تقوم بشراء الخطاب الدولي الإنساني أيضاً. أما الممارسات الفعلية للدول المجاورة للسودان توفر الإمارات لها دعم مالي واللوجستي بطرق متعددة لايصال الوقود والسلاح إلى مليشيا الدعم السريع . في هذا اليوم يرفض الاصطفاف الشعبي العالمي هذه الأفعال الشيطانية التي تقوم بها الإمارات ومن عجائب هذه الحرب هي حريصة على استمرارية الصراع وهي نفسها تعمل على تمويل المليشيا بالسلاح وهي أيضا تعمل على أن تكون وسيطة للسلام السودان بالدعاوي المتكررة الاتفاق هل يعقل ذلك؟
ونرجو من الاصطفاف الشعبي أن يحقق أول خطوة في تحقيق هداف هذا اليوم رسالة يجب يدركها كل العالم أن تجفيف منابع تمويل السلاح وكذلك بقطع يد الإمارات التي تدعم بها المليشيا وهنا يتحقق وقف التمويل وبذلك سوف تنهار قدرة دويلة الشر على الاستمرار في دعم الحرب.
يمثل هذا اليوم تحولاً استراتيجيا” في الضغط الشعبي العالمي من الاحتجاج المجرد إلى العمل المؤثر. يمكن تفكيك هذه الاستراتيجية الناشئة إلى أربعة مسارات متكاملة تهدف إلى قلب موازين القوة القائمة وقلب الطاولة على دويلة الشر:
المسار الإعلامي والسردي:-
يهدف إلى كسر احتكار الرواية الذي مارسته بعض وسائل الإعلام الدولية، والتي صورت الصراع غالباً على أنه “حرب أهلية بين طرفين متكافئين”، متجاهلة الطبيعة تمرد مليشيا الدعم السريع ورفضها المتكرر للهدن واستهدافها المنهجي للمدنيين. يعمل هذا المسار على إنتاج ونشر محتوى موثق يكشف انتهاكات مليشيا الدعم السريع ، ويربط العالم زمنيا بأن شبكات التمويل التابعة لدويلة الشر الإمارات ودول إقليمية هي ساعدت في إطالة أمد الحرب، ويبرز دور القوات المسلحة في حماية المدنيين ومحاولاتها للحفاظ على بقاء الدولة. فأصبحت منصات التواصل الاجتماعي هي ساحة معركة حقيقية لإعادة تعريف الإطار الذي يُفهم من خلاله الصراع وتوجيه الإدانة لدويلة الشر الإمارات وشركائها.
المسار القانوني والدبلوماسي:
هنا يتحول الاصطفاف الشعبي إلى غضب أخلاقي ويتحول إلى عمل مؤسسي. يسعى بهذا المسار إلى حشد الدعم لمقاضاة قادة المليشيا والممولين لهم باستخدام أدوات القانون الدولي، مثل مبدأ الولاية القضائية العالمية. كما يضغط على الحكومات والبرلمانات في الدول الغربية لفرض عقوبات “ذكية” وموجهة شبكات تمويل قانونيا و مطاردتها جنائيا ولوقف تسليح مليشيا الدعم السريع، وتفعيل قوانين مكافحة غسل الأموال لمطاردة عائدات النهب والتهريب للذهب والمعادن الثمينة كاليورانيوم أو ما يماثلها، كما يحدث حاليا في دارفور. ومن المؤسف أن دويلة الشر الإمارات ترفض أي مسار موجه للسلام يعمل على نزع سلاح واستسلام مليشيا الدعم السريع. فيجب أن يوجه المسار جهوده لإقناع المجتمع الدولي بإدانة المليشيا والإمارات الوجهان لعملة واحده.
المسار الاقتصادي والمالي:-
يدرك هذا المسار أن الحرب مدفوعة باقتصاد تمويل السلاح لمليشيا الدعم السريع. يجب انتستهدف حملات الاصطفاف الشعبي تعطيل الآلية الاقتصادية وتعمل على إيقاف أي إمداد مالي او لوجستي للمليشيا ، وهنا يجب وقف الدعم المالي الذي تسيطر به المليشيا على المدن لنهب مواردها وتهريب الذهب عبر تشاد . ويجب مساءلة الدولة التي تدخل عبرها الإمدادات إلى السودان لدعم المليشيا . فيجب الضغط على الشركات الدولية لقطع أي تعامل مع الكيانات الاقتصادية التابعة للمليشيا، وتنظيم حملات اعلامية لمقاطعة للدول الداعمة لها ، وتوثيق ونشر تقارير عن شبكات تهريب الذهب والموارد الأخرى التي تمول الحرب.
المسار الشعبي والإغاثي:-
وهو المسار الأكثر مباشرة وإنسانية. يتمحور حول دعم وتضخيم صوت المبادرات الشعبية ولجان الأحياء التي نشأت لسد الفراغ الناجم عن أعمال التمرد والتخريب في المدن المحررة. فتقود لجان الأحياء جهود الإغاثة الصحية والغذائية، فهي ليست مستقبلاً للمساعدات فحسب، بل هي شريك أساسي في توزيعها، لأنها الأكثر فهماً للاحتياجات المحلية والأكثر مصداقية. دعمها يعني تعزيز القدرة المجتمعية على الصمود في وجه محاولات الإرهاب والتهجير، وهو ما يقوض الهدف الاستراتيجي لقوات التمرد المتمثل في السيطرة على الأرض من خلال إفراغها من سكانها وهنا نجحت القوات المسلحة في تحرير المدن والسيطرة عليها وبدأت في إعادة اعمارها.
التحدي الأكبر الذي يواجه هذا الاصطفاف الشعبي التاريخي هو تحويل الزخم العاطفي ليوم واحد إلى حملة مستدامة متكررة، متفق عليها ومع تحديد أيامها، سوف تكون قادرة على تحقيق نتائج ملموسة في استمرارها وسوف يتطلب بناء تحالفات عريضة مع منظمات دولية، ونقابات، ومؤسسات اكاديمية، ومراكز الفكر المؤثرة. كما يتطلب تطوير آليات تنسيق فاعلة قادرة على صياغة رسائل موحدة واختيار أهداف تكتيكية ذكية وتوقيت الحملات الضاغطة بما يتوافق مع الأجندات السياسية الدولية لإدانة المليشيا ودويلة الشر. يجب أن يكون التركيز على “الربح البطيء” ولكن الثابت: في فضح صفقات تمويل دويلة الشر للمليشيا. هو النجاح الحقيقي للقوات المسلحة في جعل دعم التمرد عبئاً سياسياً واقتصادياً لا تستطيع دويلة الشر تحمله على المدى الطويل.
في هذا اليوم المصيري للاصطفاف الشعبي العالمي، سوف نرسل رسالة واضحة إلى العالم في محتواها توضح نهاية زمن اللا مساءلة. وليعلم العالم أن القوات المسلحة هي الدرع الحامي للبلاد، وهي التي تحمي سيادة الوطن وتمسك بزمام القانون. وليعلم كل العالم أن القوات المسلحة ليست طرفاً في صراع بل إن الصراع فُرِض عليها وهي الضامن الحقيقي ضد الفوضى والانهيار الذي تسببت في قحط ودويلة الشر وتمرد مليشيا الدعم السريع. وأن القوات المسلحة تدافع عن الوطن وعن مبدأ أن للدول سيادة يجب احترامها، وللمجتمعات كرامة يجب صونها. ويجب أن يعلموا أن عروش الصمت التي بُنيت على أنقاض المعاناة الإنسانية تتهاوى اليوم تحت وطأة خطوات الملايين الذين قرروا أن يكونوا صوت من لا صوت لهم، وأن يكونوا حاجزاً أمام محاولات تمزيق النسيج الوطني. هذا الزلزال الشعبي، الذي تحقق خلف القوات المسلحة اليوم في 13 ديسمبر 2025، ليس نهاية المطاف، بل هو البداية الحقيقية لمعركة تقودها إرادة الشعب ومقاومته الشعبية و القوات المسلحة، حيث تُقاس القوة ليس فقط بالسلاح، بل بإرادة الشعب الذي يقف خلف قواته المسلحة.


