النذير إبراهيم العاقب
قال نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي القائد مالك عقار أن البلاد تحتاج إلى الحد الأدنى من التوافق بين القوى السياسية والحكومة حتى تمضي البلاد إلى الأمام، منوها إلى ضرورة تغيير الخطاب السياسي من قبل القوى السياسية، وأشار إلى أن مشاكل السودان هي بسبب التقاطعات السياسية.
ولفت مالك عقار في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى السياسي الثاني لتحالف سودان العدالة تحت شعار.. الإصطفاف الوطني الوجدان المشترك.. بقاعة السلام ببورتسودان أمس الأحد 15/ ديسمبر/ 2024م، لفت إلى أن الشعب السوداني في الوقت الراهن يريد أن يعرف رؤية وإستعدادت القوى السياسية لما بعد الحرب، وما هو البرنامج للمرحلة المقبلة، وأن الشعب يريد أن يعرف كيف تفكر القوى السياسية.
ولعل حديث الفريق مالك عقار جاء في وقت الشعب السوداني ككل، والقوى السياسية السودانية على وجه الخصوص في أمس الحاجة إلى دعوته هذه وإنزالها إلى أرض الواقع من خلال التطبيق الأمثل لمفاهيم وأُسس وقِيَم ومبادئ الإصطفاف الوطني، والتي في ظني هي الآن أبعد ما تكون عنها، وبالأحرى، لا يفقهون عن الإصطفاف الوطني شيء، وبعيدين عنه بعد السماء والأرض، لاسيَّما وأن الإصطفاف الوطني في معناه الأشمل
يتطلَّب من كل مكونات المجتمع المدني والسياسي، وخاصة القوى السياسية في السودان العمل على وحدة الصف الداخلي وترتيب قواه وإدارة الخلاف والتعدد داخل البيت الوطني، باعتبار ذلك واجب ديني ووطني حتميٌّ في ظل التهديدات الراهنة التي يتعرض لها السودان، كوم هذه التهديدات تستهدف السودان أرضاً وإنساناً، كما وتهدد إستقرار المنطقة بأكملها، الأمر الذي يُحتِّم ويستدعي إصطفاف كل القوى لمواجهة هذه الأخطار للحفاظ على مقدرات الوطن وإنهاء حالة الإنفلات والفوضى العارمة التي عمَّت البلاد بأكملها، والذهاب نحو إستعادة الدولة ومؤسساتها وإرساء دعائم السلام والأمن والإستقرار العام في كل ربوع السودان.
ولعل أولى مرتكزات هذا الإصطفاف تتمثل في ضرورة وجود رؤية سياسية جامعه قائمة على الهوية الدينية والوطنية تستوعب كل متطلبات الواقع ومجالاته، وأن تعمل كل المكونات السياسية والإجتماعية والشعبية على ضوئها في تحريك قدرات الشرعية لإستعادة هيبة الدولة ودفع مخاطر إنقلاب مليشيا آل دقلو وجناحها السياسي والإعلامي قحت تقدُّم عنها، وإطلاق مبادرات حقيقية لجمع الصف الوطني وتحقيق حالة الإصطفاف الوطني لإستعادة الدولة والحفاظ عليها من مخاطر التفتت والتقسيم والتمزيق والإنهيار، وبالطبع لن يتأتى ذلك إلا في حالة إستشعار القوى السياسية السودانية كافة الخطر الداهم الذي يحيط بالبلاد من مى جانب، وبأن تنهض كل هذه المكونات السياسية والإجتماعية والشعبية في عمل تكاملي ينبعث من روح الإنتماء الخالص لهذا الوطن، فضلاً عن أهمية إطلاق خطة متكاملة لتنظيم هذا الإصطفاف بهدف إستعادة الدولة وتحقيق الإستقرار الدائم، باعتبار ذل واجبٌ وطنيٌ حتمي، بالإضافة إلى وضع خطة شاملة لإستكمال بناء مرافق ومؤسسات الدولة، وتكثيف الجهود لنشر قيم النزاهة والشفافية والوطنية وتعميق الوعي بأهمية مكافحة الفساد من أجل إعادة وتعزيز الثقة بمؤسسات الدولة لتحقيق تنمية حقيقية تنعكس إيجاباً على حالة المواطن السوداني.
مع الضرورة القصوى لإلتزام كل القوى السياسية بعدم الدخول في معارك جانبية مستقبلاً فيما بينها، أو الإنزلاق مرًّة أخرى في إشتباكات بينية تهدر الجهود وتُعَمِّق حالة التشظِّي والإنقسام، وتسد النوافذ أمام فرص التعاون ومناهضة الخلافات والصراعات السياسية العارمة،
مع الإدراك أن مليشيا الدعم السريع الإرهابية وحاضنتها السياسية قحت تقدم تستثمر كثيراً في هذه المشاحنات داخل الصف الوطني، مما يُعزِّز صورتها السياسية وتماسكها خارجياً، وقوتها العسكرية الموجودة داخلياً.
وكذلك الضرورة تستدعي إنفتاح القوى الوطنية والسياسية الحادبة على وحدة الصف الوطني السوداني على بعضها وإلتقاء قياداتها وإعتماد ثقافة الحوار لحل مشكلاتها والتحلي بالمهارة السياسية في تقدير المواقف التي تحقق المصلحة الوطنية العامة بعيداً عن المصالح الذاتية الضيقة حزبية كانت أو شخصية، وأيضاً أهمية البحث عن المشتركات والإبتعاد ما أمكن عن القضايا الخلافية وإلتزام قضايا الوطن الكبرى، متمثلة في إستعادة الدولة والحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية وتحقيق الأمن والإستقرار والعيش الكريم للمواطن السوداني، وإنتهاج سياسة وخطاب إعلامي يجمع ولا يُفرِّق ويُعلِي من القيم الدينية والوطنية، ويتبنى هموم وقضايا المواطن بعيداً عن خطابات الكراهية والعنصرية والأستعداء،
بجانب النظرة الموضوعية للإختلافات الموجودة داخل الصف الوطني وإعتماد الحلول الملائمة لتجاوز تلك التباينات والخلافات من منطلق المرجعيات المتفق عليها ووفق مبدأ الحوار المُثمر البنَّاء والإستعداد لتقديم التنازلات لصالح المجموع العام، باعتباره الفعل الملائم في مثل هذه الظروف لما له من مردودات إيجابية لصالح الكيانات الجمعية وعودة الدولة، والتركيز على الإصطفاف المجتمعي الشامل وليس السياسي فقط، وهو ما يعني بالضرورة الإنطلاق من مبدأ الإصطفاف الجمعي حول الوطن وقضاياه وتحريك كل الجهود الرسمية والحزبية والشعبية لتحقيق الهدف العام المتمثل في إستعادة الدولة وإنهاء الخلاف المدمر للدولة.
وهذا بالطبع لا يمكن تحقيقه واقعاً دون عمل الدولة والقوى السياسية الوطنية على تحقيق الإصطفاف على المستوى الإقليمي والدولي، خاصة أن مشروعات الإصطفاف الوطني التي يمكن البناء عليها هي محل إجماع محلي وإقليمي ودولي لإنفاذ مخرجات الحوار الوطني الشامل والقرار الأممي 2216 والقرارات الدولية ذات الصلة والمصالح الدولية المشتركة، لاسيَّما وأن هذه المرجعيات والمصالح كفيلة بإستعادة الدولة وإنهاء الإنفلات والحرب الدائرة الآن، حال ما وجدت إصطفافَاً وطنياً وإقليمياً ودولياً وجبهة داخلية واحدة ومتماسكة تعمل بجهود موحدة.
ومن خلال ماسبق تأتي الأهمية القصوى لمشاركة الإعلام الوطني في التصدي لتلك المحاولات الرامية لزعزعة إستقرار السودان وتقسيمه، وتعزيز الإصطفاف الوطنى والولاء والإنتماء لدى المواطنين، وبما يعكس عمق إلتزامه بالدفاع عن مصالح الوطن وتماسكه.
ففى ظل التحديات الكبيرة التى يواجهها السودان اليوم، تأتى ضرورة الإصطفاف الوطنى كواجب لا غنى عنه لكل مواطن محب لوطنه، في الوقت الذي أصبحت فيه المؤامرات الخارجية التى تستهدف زعزعة إستقراره وإستغلال الخونة والعملاء لضرب أمنه الداخلى أكثر خطورة ووضوحاً، ومن هنا تأتي مسئولية الجميع اليوم، حكومةً وشعباً وإعلاماً، فى حماية الوطن وتحصين المجتمع من هذه التهديدات المتزايدة.
خاصة وأن الإصطفاف الوطنى ليس مجرد شعار يُرفع، بل هو ركيزة أساسية لبناء مجتمع قوى قادر على مواجهة أعدائه، وهذا الإصطفاف يجب أن ينبع من وعي حقيقي ومعرفة عميقة بما تواجهه بلادنا من محاولات تدمير وتقويض لإستقرارها وسلب سيادتها.
ولعل ما يدعو للتفاؤل هو أن الشعب وبعد الإستهداف المُريع الذي تعرض له خلال فترة الحرب الحالية، صارت لديه مناعة قوية ووعي بحقيقة أن المؤامرات الخارجية لن تتوقف، وأن الأوطان تُبنى وتنهض فقط بفضل أبناءها المخلصين، كما أن إعلامنا السوداني الوطني الحقيقي وطوال هذه الفترة العصيبة ظلُّ يُقَدِّم نموذجاً محترماً فى تناول قضايا الوطن والتصدى لمخططات الفتنة، وذلك من منطلق أن الإعلام يلعب دوراً محورياً فى هذا الجانب، بإعتباره المرآة التي تعكس ما يحدث، والمنصة التي يستطيع المواطن من خلالها التَزَوُّد بالحقائق بعيداً عن الشائعات المغرضة.
ولعل تعزيز الولاء والإنتماء الوطني الحق في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ السودان ليس مطلباً شعبياً فقط، بل هي أيضاً إستثمار في الأمن القومي السوداني، ودعوة لكل المؤسسات والهيئات والقوى السياسية عامة لتكريس قيم الإنتماء داخل المجتمع، بدءاً من المدارس والجامعات، ومروراً بوسائل الإعلام، وحتى مواقع التواصل الإجتماعي، وذلك لجهة إنشاء الجيل القادم على وعي وطني متجذر وغير قابل للتلاعب.
نخلص إلى أن الضرورة تستوجب علينا أن ندرك جميعاً أن الأمن ليس مسئولية جهة بعينها، بل هو مسئولية جماعية، وعلينا أن نقف صفاً واحداً، ونؤمن بأن قوتنا فى تماسكنا، وأن أصوات العملاء والخونة ستظل ضعيفة متى ما تماسكنا وتعاضدنا لنصرة الحق والوطن، وأن الأوطان لا تبنيها سوى سواعد أبنائها الأوفياء من خلال الإلتزام الصارم والتطبيق الأمثل لمبادئ وقيم ومفاهيم الإصطفاف الوطني الحق.