ثلاثون عاماً حكمت فيها الإنقاذ البلاد منفذة للعديد من مشروعات التنمية والبنى التحتية التي شملت كل مناحي الحياة، – اتفقنا معها او اختلفنا – حتى أن الاديب الراحل الطيب صالح قالها عندما زار سد مروي إبان عمليات الإنشاء في عام 2005م والبلاد تعيش في ليالي الخرطوم عاصمة الثقافة العربية وهو يقف أمام جسم السد العملاق وفي الجانب الآخر من النيل يقف جبل البركل شامخاً عملاقاً ، قال طيب الله ثراه جملته المشهودة والداعمة للجالسين على كراسي الحكم في البلاد آنذاك 🙁 السودان كان زي الفيل المخدَّر .. لكن الفيل ده صحا وقام وحيسوي العجائب).. وهذا يحسب للإنقاذ ولكنها رغم هذا التقريظ البهيج من حامل لواء الثقافة السودانية في العالم ، فقد أهملت الآداب والفنون بأنواعها والفلكلور الشعبي وكل ما يرتبط بالإبداع وجعلته في ذيل بنود الصرف الحكومي حتى ان وزيراً للمالية قال قبل سنوات ( ماعندي قروش للغنا والرقيص ) .
وتلتها حكومة الفاشل حمدوك حتى ان معرض الكتاب السنوي قد غاب في سنتها الاخيرة ، ولم تفلح في تسجيل اغنية وطنية واحدة وانهمكت في تعديل الشعب السوداني ذو الاسلام الوسطي ليصبح يساريا بإسم الديموقراطية فما انفكت تنادي بتطبيق بنود اتفاقية سيداو وحرية المرأة وزواج المثليين الذين خصصت لهم دار جمعية القرآن الكريم بالرياض الخرطوم لتصبح ملتقى لهم ۔
وأهل الابداع وعموم الشباب السوداني يريدون من دولتهم أن تعتمد ميزانيات لعودة السينما السودانية التي توقفت في السبعينيات بفيلمي عرس الزين ورحلة عيون وسبعة افلام قصيرة ومثلها وثائقية ، وحتى إخواننا في مصر قاموا بإنتاج فيلم حول مأساة دارفور وهم يرون في السودان أرضاً ومناخاً وتفاصيل حياة اجتماعية صالحة مجتمعةً لإنتاج أفلام تفوق ما أنتجته السينما الهندية لأننا نتميز بالتنوع في الأرض والعرق واللون واللهجات .
وظللنا نشكو من محلية الاغنية السودانية وعدم مقدرتها على مغادرة السودان حتى لنزهة قصيرة ونحن لا نقيم مهرجاناً دولياً واحداً للاغنية ولا نأتي بأي كيان فني من الخارج ليسمعنا هنا ، قبل أن نفكر في المغادرة إليه ونشارك في المهرجانات العربية والافريقية المجاورة بثلاثين فرداً، خمسة وعشرين منهم موظفون حكوميون ونعود ونشكو من الاستلاب الغنائي العربي والاوربي والامريكي لشبابنا ونحن لم نقدم لهم شيئا .
وفي الجانب الآخر نجد أن أفقر أهل السودان هم الأدباء والكتاب وأهل الدراما حتى أن الأب يفكر ألف مرة في أن يوافق على زواج إبنته من (مبدع) وكأن معاناة مبدعي العشرينيات والثلاثينيات قد عادت من جديد والكل يجري خلف من يملك المال ولا يهم ماذا يحمل ما بين أذنيه من عقل وفكر وإبداع لاتأتي به التريليونات من الدولارات التي أقلقت منام الحكومة لسنوات و( شلنا نحن معاها السهر سنبلة ساكت ) وكنا نتمنى ان تفوز (الخالة) كمالا هاريس في انتخابات الرئاسة الأمريكية لرقة قلبها لعلها ترفع عنا الحصار وجور الدولار، وان يسقط (سقوطا مبينا) منافسها ( العنصري ) ترامب ويمتلئ ( خشمه) بالتراب ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن .
ايها القائد البرهان أنت لست فظاً غليظ القلب ، وجل أهل السودان يحبونك لشخصك فقط .. مع تحفظهم على العديد من معاونيك المدورين من الحكومات السابقة .. فاجعل من ميزانية أموال عباد الله سهماً للثقافة والفنون لإيجاد أجيال معافاة من أحادية الرأي والقسوة، ليدرك العالم أن السودان أرض النيلين والحضارات والسهول والجبال والوديان هي (لوحة) ثقافية فنية لا مثيل لها في الأرض ، ولنحمي شبابنا من أفكار التطرف الديني التي أصبحت كالحمى تجتاح الشباب فيفجرون أنفسهم داخل بيوتهم بفعل الاستلاب الفكري والشواهد كثيرة بالدول العربية ، فاجعل للشباب قناة تلفازية وافتح المسارح ومول المسرحيات وأعد فتح دور السينما المغلقة بالعاصمة الخرطوم الآن بعد ان كاد جيشك القوي ان يحررها من الجنجويد ، وظني أنها العاصمة الوحيدة في الدنيا التي لا تعرف الفن السابع أبداً ، وحينها سيعم السلام طالما أن كل البرامج يديرها تربويون ومختصون وليس موظفون حكوميون .
فهذه هي مشكلتنا التي جعلت جل شبابنا في الاطراف يصدقون تجار الحرب من قادة ال دقلو والكيانات التي تتحدث مع الدولة بفوهة البندقية لتصل الى ما تصبوا اليه وهي تعلم – أي مليشيا الدعم السريع والحركة الشعبية ومليشيا عبد الواحد نور وحجر والهادي ادريس وغيرها – أن رصيدها الجماهيري صفرا كبيرا ولكنها سعيدة بالفراغ الحكومي في الجانب الثقافي الذي ينمي مقدرات الشباب العقلية بطرحه لكل المكون الثقافي دون خجل أو مواربة ، فيصلون الى انه ليس هناك ممنوع ليرغبوا فيه ، بل هناك فضائل تفضي الى أمة كريمة ، ومهاوي تجعل من يتبع دربها لا محالة هالك في قعر هوة سحيقة .
فالمجد والخلود لكل من نظم بيتا من الشعر او صاغ لحنا حانيا أو قدم اسكتشا دراميا ضاحكا أو بانيا ولكل من تغنى للحبيبة والوطن أو لون جدراننا بالإزميل والفرشاة والصلصال الحالم أو كتب قصة او رواية أو ألف كتابا في العلوم الإنسانية كلها ، فلكم مني جميعا الاحترام والتقدير ، رغم ان هذا لايوفر لكم ( صحن فول سادة ) هذا المساء .
سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب صحن (فول سادة) هذا المساء !!
