لقد كُتب لي أن أكون شاهدًا على واحدة من المحطات المفصلية في مسيرة ولاية القضارف، حين تشكّل أول جسم لهيئة الاستنفار الشعبي. عايشنا عن كثب لحظات التكوين، وتابعنامراحل التأسيس، كما تابعنا عن وعي ما صاحبها من تجاذبات وتكتلات وخلافات، وهي – على صعوبتها – ظواهر صحية تعبّر عن تفاعل الناس وحرصهم على المشاركة الوطنية. فالاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية، بل يثري التجربة ويزيدها نضجًا.
وفي خضمّ تلك المرحلة الدقيقة، بزغ نجم المقاومة الشعبية بقيادة سعادة الفريق خضر مبارك، وكان من ضمن الوجوه البارزة في ذلك الحراك الوطني وهى كثيرة الأخ خويلد عبد العظيم، الذي أدى أدوارًا مشهودة وترك بصمات لا تُخطئها العين. لقد قامت قيادة المقاومة حينها بفتح معسكرات التدريب، وتسيير أفواج المستنفرين إلى خارج الولاية، كما قامت بتأمين حدود الولاية، فكانت سدًا منيعًا في وجه كل تهديد وسندا للقوات المسلحة، وكان الأخ خويلد من الشباب الذين خرجوا من رحم الميدان، وخاضوا غمار العمل الوطني من الصفوف الأمامية.
ومع توالي المراحل، وبتكليف سعادة الفريق محمد أحمد حسن واليًا لولاية القضارف، أصدر قرارا بحل الهيئة الشعبية للاستنفار والمقاومة الشعبية معًا، ثم أعقب ذلك مباشرة قرار آخر بتكوين جسمين جديدين بهياكل متجددة ورؤى عصرية، تلائم تحديات المرحلة الحرجة التى تمر بها الولاية، وتسهم في تعزيز الأداء. وحسب ما نعلم، فإن الهيئة الشعبية للاستنفار هي الجهة المخوّلة قانونًا بالإشراف على أداء المقاومة الشعبية، والله أعلم.
وقد تابعنا عن كثب آداء الجسم الجديد بقيادة سعادة اللواء معاش عكّام، فوجدنا فيهم روح المبادرة والحرص على استكمال المسيرة، حيث عملوا على توسيع معسكرات التدريب، وتكثيف الارتكازات، واستيعاب المستنفرين في الميدان بحسب متطلبات الواقع المتغير.
لكن، وبكل أسف، فإن مساحات الخلاف – على ضيقها – أصبحت مدخلًا لبعض المتربصين، الذين لا شُغل لهم سوى الاصطياد في الماء العكر، مستغلين الخلافات العابرة لتأجيج الفتن، وإطلاق الاتهامات، وتوزيع صكوك التخوين جزافًا، منحازين لطرف على حساب طرف. وهؤلاء – وإن لم يكونوا كُثُرًا – فإن أثرهم بالغ الضرر، وواجب الوقت اليوم هو أن نُفَوِّت عليهم الفرصة، وأن نرتقي بخطابنا الوطني فوق تلك المستنقعات الصغيرة.
وفي هذا المقام، وبكل تقدير للجهود المخلصة، نناشد أهل الحكمة والبصيرة، وفي مقدمتهم سعادة الفريق محمد أحمد حسن، والي ولاية القضارف، ومعاونيه من أركان الحرب، كما نوجّه النداء لسعادة الزعيم كرم الله عباس، رئيس لجنة الاستنفار، ولسعادة اللواء معاش دكّام، رئيس المقاومة الشعبية، ولسعادة المستشار الهدّاب، بأن يُعيدوا النظر في البلاغ المفتوح ضد الأخ خويلد عبد العظيم، أحد رجالات المقاومة الشعبية، والفاعل في الكتيبة الاستراتيجية، والصحفي الذي قدّم جهدًا وطنيًا ملموسًا يعرفه الجميع.
ففي هذه اللحظة الحرجة، ما زال الوطن يواجه المخاطر، ولم نخرج بعد من مرحلة التهديد. لذا، فإن الخلاف ليس في مصلحة أحد، ومن الحكمة أن نُؤجّل الخصومات، ونتجاوز عن الزلات، ونتعالى فوق الخلافات، ونمدّ الجسور بدلًا من بناء الجدران، ونُعيد لحمتنا الوطنية بكل محبة ووئام.
وختامًا، فإن هذه الكلمات ليست مجرد مقال، بل رسالة وطنية خالصة خرجت من قلبٍ صادق، ووعيٍ مسؤول، لتُطرَح على طاولات المعنيين، وتُقرأ بعين الاعتبار والإنصاف. وقد تم توجيه هذه الرسالة عبر البريد الإسفيري، لتبلغ سعادة الفريق محمد أحمد حسن، والي القضارف، وأركان حربه، كما نُحمّلها إلى الزعيم كرم الله عباس، وسعادة اللواء دكّام، وسعادة المستشار الهدّاب، وكل من تعنيه مصلحة هذه الولاية العزيزة.
إننا نؤمن أن صوت العقل سيغلب، وأن الحكمة ستنتصر، وأن السودان – وهو يمر بمنعطف بالغ الدقة – أحوج ما يكون إلى تماسك أبنائه، لا تفرّقهم، وإلى جمع صفوفهم لا تمزيقها.
اللهم اجعل هذا البلد آمنًا، مطمئنًا، واجمع قلوب أبنائه على الخير، وادفع عنهم كيد الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
يونيو 2025