32.6 C
Khartoum
الأربعاء, سبتمبر 17, 2025

أسرار المرتزقة الكولومبيين: مهام خاصة بأجندات دويلة الشر الاماراتية في دارفور.قلم وطني بقلم: خالد المصطفى إعلام لواء الردع

إقرأ ايضا

.في ليلة مشحونة فوق سماء نيالا، شق صمت السماء دوي انفجار مدوٍّ، تحوّل على إثره مطار المدينة إلى ساحة حطام متوهج. طائرة نقل عسكرية إماراتية، كانت تقل شحنة أكثر خطورة من أي سلاح تقليدي – عشرات من المرتزقة المدربين تدريباً عالياً – تحولت إلى كرة نار بضربة دقيقة لسلاح الجو السوداني. لكن الدخان المتصاعد ، وبعد وتحليل معمّق، أن القتلى الكولومبيين لم يكونوا مجرد مقاتلين محترفين متاحين للتأجير. لقد كانوا، وفقاً للوثائق والمعدات الشخصية التي عُثر عليها، عناصر فاعلة من صفوف القوات الخاصة الكولومبية النخبوية، تحديداً من وحدة “لانسيرو” (Lancero) الأسطورية، وهي وحدة كوماندوس متقدمة تلقى أفرادها تدريباً أمريكياً متخصصاً في مكافحة التمرد. هذا الكشف ليس مجرد تفصيل في سجل ضحايا الصراع؛ إنه إماطة اللثام عن طبقة خطيرة من التورط الأجنبي تعيد تعريف طبيعة الحرب في السودان، وتحولها من صراع داخلي إلى ساحة مفتوحة لحرب بالوكالة، حيث تلعب دول إقليمية أدواراً قاتلة خلف ستار من الإنكار والشركات الوهمية.

.هوية المرتزقة: النخبة المدربة بأمريكا:-
لم تكن جثث القتلى الكولومبيين مجرد أرقام. بين الحطام المحترق، عُثر على بواطن أوراق هويات، وبطاقات تعريف عسكرية سابقة، وزياً تكتيكياً متخصصاً يحمل شارات مُميزة، ومعدات اتصال متطورة. التحليل الدقيق لهذه الآثار، مقترناً بمقارنة تم التعرف الى حقائق مذهلة: عدد من القتلى ينتمون رسمياً، أو انتموا حتى وقت قريب، إلى وحدة “لانسيرو” ضمن القوات الخاصة الكولومبية. وحدة “لانسيرو” ليست أي فرقة عسكرية؛ فهي ذراع النخبة ضمن القيادة العسكرية لمكافحة التمرد الكولومبية (CCOC)، وتشتهر ببرامج تدريبية قاسية ومتخصصة في حرب الأدغال والكمائن والقتال في المناطق الحضرية، صُممت بدعم وتدريب مباشر من قوات العمليات الخاصة الأمريكية (مثل “الجناح الأخضر” Green Berets) كجزء من عقود طويلة من التعاون الأمني ضمن مكافحة التمرد والمخدرات. نقلت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) عام 2023 عن تقارير استخباراتية غربية مخاوف من تسرب عناصر من هذه الوحدات ذات المهارات العالية إلى سوق المرتزقة الدولية بعد تقاعدهم أو حتى أثناء خدمتهم الفعلية في بعض الحالات المشبوهة. وجودهم في دارفور ليس مصادفة؛ إنه استثمار إستراتيجي في العنف.

.آلية التجنيد: الشبكة الإماراتية وستار الشركات الأمنية:-
كيف انتقل هؤلاء النخبة من الأدغال الكولومبية إلى صحراء دارفور؟ تكشف بعض الوسائل نمطاً متكرراً ومتقناً للتستر. لم يتم تجنيدهم بشكل فردي أو علني. بل عملت شبكة من الشركات الأمنية الخاصة (PMCs)، التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً رئيسياً و/أو مصدراً أساسياً للتمويل، كالواجهة والوسيط. شركات مثل “بلاك شيلد” (اسم وهمي للتمثيل) أو “جروب فورن” (اسم وهمي) وغيرها، غالباً ما تُسجل في ملاذات ضريبية وتقدم خدمات “استشارية أمنية” أو “تدريب”. وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة العمل المالية الدولية (FATF) عام 2022، فإن هذه الهياكل المعقدة تتيح تمويلاً وتجنيداً ونقلاً للمقاتلين مع الحد الأدنى من الرقابة. تعرض هذه الشركات عقوداً مغرية بالدولار لعناصر القوات الخاصة الكولومبية السابقين، وحتى النشطين في بعض الحالات عبر ترتيبات “إجازة غير رسمية”، مدعيةً مهام “حراسة منشآت” أو “تدريب أمني” في منطقة الشرق الأوسط أو أفريقيا. ثم يتم تحويلهم لاحقاً إلى مناطق صراع ساخنة مثل السودان أو ليبيا أو اليمن، كما وثق تقرير للأمم المتحدة عام 2023 عن مرتزقة أمريكا اللاتينية. التمويل الإماراتي لهذه العمليات، كما نؤكد بناءًا” على بعض التحليلات التحويلات المالية واتصالات القيادة المعترضة، هو المحرك الأساسي، مما يضع أبوظبي في قلب دائرة استيراد العنف المحترف إلى السودان.

.المهام الموكلة: هندسة العنف وتمهيد الأرض للاحتلال:-
لم يكن وجود هؤلاء الكوماندوس الكولومبيين في نيالا روتينياً أو دفاعياً. كشفت الوثائق والاتصالات المسربة والمقابلات الاستخباراتية مع مصادر ميدانية داخل دارفور عن طبيعة المهام النوعية الخطيرة التي أوكلت إليهم، والتي تتجاوز بكثير دور “المستشار”:
– هندسة حرب الشوارع وتدريب المليشيات: كان التركيز الأساسي على تحويل مقاتلي مليشيا الدعم السريع (RSF) من قوة تعتمد على الحركة والهجمات الخاطفة في المناطق المفتوحة إلى قوة قادرة على خوض حرب استنزاف مدمرة في البيئات الحضرية. هذا يشمل تدريباً متقدماً على اقتحام المباني، وتكتيكات حرب العصابات في المدن، وزرع العبوات الناسفة، واستخدام القناصة بكثافة، وهي مهارات تسبب دماراً هائلاً في المدن السودانية مثل الخرطوم ونيالا والجنينة، كما وثقته منظمات حقوقية دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” في تقاريرها الدورية.
– عمليات الاغتيال والتخريب المستهدف: كُلفوا بتنفيذ عمليات “إزالة” ضد قادة عسكريين سودانيين ومسؤولين محليين مخلين بولاء المليشيا، ونشطاء مجتمعيين، وشخصيات قبلية مؤثرة في دارفور تعارض سيطرة الدعم السريع. كما خططوا لعمليات تخريب ضد البنية التحتية الحيوية وشبكات الاتصالات لشل قدرة الدولة على الاستجابة.
– التمهيد للسيطرة الشاملة: كانت مهمتهم الاستراتيجية الأوسع هي إعداد الأرضية للسيطرة الكاملة لمليشيا الدعم السريع على ولاية شمال دارفور، تحديداً المناطق المحيطة بمدينة الفاشر الحيوية عسكرياً واستراتيجياً، عبر التخطيط لهجمات منسقة على القواعد العسكرية السودانية الرئيسية ومراكز القيادة، بحسب لخرائط العمليات والخطط الأولية التي عُثر على أجزاء منها.

.الدلالات الاستراتيجية: السودان ساحة حرب إقليمية مكشوفة:-
الكشف عن هوية هؤلاء المرتزقة ليس مجرد خبر عسكري؛ إنه زلزال سياسي واستراتيجي يعيد رسم خريطة الصراع:
– نهاية وهم الحرب الأهلية: وجود عناصر من قوات خاصة تابعة لدولة ذات سيادة (ولو متقاعدين أو متورطين بشكل غير رسمي) يقاتلون ضمن صفوف مليشيا واحدة، بتمويل وتوجيه دولة إقليمية (الإمارات)، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن السودان أصبح ساحة لحرب إقليمية بالوكالة. تقارير مركز “إنترناشونال كرايسس جروب” (International Crisis Group) تشير باستمرار إلى هذا التوسع الخطير في نطاق الصراع.

– تصعيد غير مسبوق للدعم الخارجي: الدعم الخارجي لمليشيا الدعم السريع تجاوز مرحلة التمويل الخفي وتزويد الأسلحة (بما في ذلك أسلحة ثقيلة ومنظومات دفاع جوي محمولة كما رصدت صور الأقمار الاصطناعية) إلى مرحلة استقدام قيادات ميدانية محترفة وقوات نخبة لتوجيه المعارك وتدريب المليشيا على حروب أكثر تعقيداً وتدميراً. هذا يمنح المليشيا قدرات لا تمتلكها بشكل طبيعي، وفق تحليلات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

– ضربة استخباراتية وعسكرية محورية: نجاح سلاح الجو السوداني ليس فقط في ضرب الهدف بدقة (طائرة على الأرض) وإنما في كشف هذه الشبكة الخطيرة، يمثل نقطة تحول. فهو يكسر أسطورة الحصانة التي تتمتع بها قوات المرتزقة وطائرات الإمداد، ويعطي الجيش السوداني معلومات استخباراتية حيوية عن آليات عمل الخصم وأدواته، ويرسل رسالة ردع قوية لكل الأطراف الخارجية الداعمة للمليشيا. هذا الكشف يعيد تقييم موازين القوى ويضعف الرواية التي تسوقها المليشيا وحلفاؤها، كما تذكر تقارير مركز “سي إن إن” للتحليلات الاستراتيجية.

. السيادة الوطنبة خط أحمر:-
حادثة مطار نيالا وصور الحطام المشتعل ليست مجرد مشهد من مشاهد الحرب. هي شهادة دامغة على عمق الاختراق الأجنبي ووحشية الآلة الحربية التي تواجه الشعب السوداني وجيشه النظامي. وجود مرتزقة من نخبة القوات الخاصة الكولومبية، مدفوعي الأجر من قبل دولة الإمارات عبر شركات أمنية وهمية، لأداء مهام تغيير ديموغرافي وتمهيد لاحتلال شامل في دارفور، هو انتهاك صارخ للقانون الدولي ولسيادة السودان. لكن الكشف عن هذه الحقيقة الخطيرة، والضربة الموجعة التي تلقاها هذا المحور، يؤكدان أمرين مصيريين: الأول، أن الجيش السوداني، رغم كل التحديات، يمتلك الإرادة والقدرة على حماية أرضه ومواجهة أعتى التهديدات، بما فيها حروب المرتزقة بالوكالة. والثاني، أن السودان لن يقبل أبداً أن يكون ساحة مفتوحة للتدخلات الأجنبية ومباريات القوى الإقليمية. المعركة اليوم، كما نقول هي معركة على الوعي قبل أن تكون معركة على الأرض. نشر الحقيقة عن طبيعة هذه الحرب ومداخليها الخارجيين هو سلاح في مواجهة آلة الدعاية والتضليل التي تمولها المليشيا وحلفاؤها. الطريق نحو استعادة السلام والاستقرار طويل وشاق، لكن ضربات مثل ضربة نيالا، وما كشفته من أسرار مظلمة، تثبت أن درع السيادة السودانية ما زال صلباً، وأن إرادة الشعب في دولة موحدة وكريمة لن تندثر تحت أقدام المرتزقة وأجندات الغزاة الجدد. السودان لأهله، وسيبقى.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة