في خضمّ أهوال الحرب التي عصفت بالسودان، برزت قوات الدفاع المدني كشريان حياة، وكحصن منيع كُرِّس لحماية الإنسان السوداني ومقدراته من براثن الدمار. تحت قيادة كريمة ومباشرة من سيادة الفريق دكتور/ عثمان عطا مصطفى – مدير عام الدفاع المدني الموقر، وإشراف سيادة اللواء شرطة حقوقي/ يوسف الإمام – مدير قوات الدفاع المدني بولاية الخرطوم، وبدعم لا يلين من السادة اللواءات المساعدون والعمداء والضباط وضباط الصف ومستشاري الدفاع المدني وكل من حمل راية هذه المؤسسة العظيمة، تحولت هذه القوات إلى ملاذ آمن ويد أمين تعمل بلا كلل، متحديةً كل المخاطر، لتؤكد للعالم أجمع أن رسالة الحماية والإنسانية هي فوق كل اعتبار.
.لم تكن المهمة يسيرة، فمنذ انطلاق شرارة الأحداث، وجدت قوات الدفاع المدني نفسها على خط المواجهة الأول، ليس بسلاح الدمار، ولكن بسلاح الإنقاذ والإغاثة والعطاء. لقد تجاوز دورها المفهوم التقليدي للإطفاء ليصبح شاملاً لكل جوانب المعاناة الإنسانية، من إنقاذ الجرحى وإيواء المشردين إلى تطهير المدن من آثار القتال وإعادة الحياة إلى طبيعتها. لقد عملت هذه القوات بموارد محدودة وإرادة لا محدودة، مجسدةً أسمى معاني التضحية والوطنية.
– تقديم المساعدات الإنسانية: بطولات لا تُروى:-
باشرت قوات الدفاع المدني أعمالها الإغاثية من مدينة بورتسودان في منتصف مايو 2023، لتصبح أول خط دفاع أمام موجة النزوح الجماعي. لم يكن العمل مقتصراً على تقديم المياه والغذاء والمأوى للنازحين فحسب، بل امتد ليشمل تقديم الدعم اللوجستي الحيوي للقوات النظامية في الجبهات الأمامية. لقد كانت مواد الإيواء والخيام والإمدادات الطبية التي وزعتها قوات الدفاع المدني بمثابة شريان حياة للمقاتلين والمدنيين على حد سواء، مما أسهم بشكل مباشر في استمرارية المقاومة وصمود الشعب. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن جهود الإسعافات الأولية والإخلاء الطبي التي قام بها الدفاع المدني أنقذت آلاف الأرواح من خلال عمليات منتظمة وممنهجة في المناطق التي يصعب الوصول إليها.
– أعمال التطهير والتعقييم: استعادة الحياة من بين الرماد:-
ما إن تنسحب رياح الحرب حتى تبدأ معركة أخرى خفية لكنها لا تقل شراسة: معركة تطهير البيئة من الملوثات ومخلفات الحرب ومنع تفشي الأوبئة. هنا، برزت قوات الدفاع المدني كفاعل رئيسي. ففي بورتسودان ومحلية طوكر، قادت حملات تعقيم شاملة بالتعاون مع حكومة الولاية والمجلس القومي للدفاع المدني، مما حال دون حدوث كوارث صحية كان يمكن أن تكون هي أعنف نفسها. ولكن الذاكرة ستظل تحتفظ بالصورة الأكثر قسوة وإيلاماً والتي تجسدت في تدخل قوات الدفاع المدني في أم درمان والخرطوم بعد تحريرهما. لقد قامت فرق متخصصة بأعمال انتشال جثث الضحايا من الشوارع وتكريمها بدفنها بشكل لائق، وهي مهمة شاقة تنم عن احترام عميق للكرامة الإنسانية حتى في ساعة الموت. تبع ذلك عمليات تطهير واسعة النطاق للمرافق الحكومية والمستشفيات والمدارس باستخدام مواد مطهرة متطورة، مما مهد الطريق لعودة آمنة للحياة المدنية. هذا النموذج الناجح تم تكراره لاحقاً في ولايتي سنار والجزيرة، حيث عملت فرق الدفاع المدني على “إصحاح البيئة” تمهيداً لعودة النازحين واستئناف الحياة الطبيعية، وهو ما يُعد عنصراً حاسماً في أي استراتيجية لإعادة الإعمار وفقاً لتقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
– عمليات الإيواء ومواجهة مخاطر الخريف: التحدي المزدوج:-
واجهت قوات الدفاع المدني تحدياً غير مسبوق بدمج جهود الاستجابة لمخاطر الحرب مع الاستعداد لموسم الأمطار (خريف 2023 و2024). لقد تفاقمت أزمة النزوح بسبب تدمير البنى التحتية للسكن، مما جعل آلاف العائلات عرضة لعناصر الطبيعة. قامت قوات الدفاع المدني، من خلال تنسيق دقيق مع كافة مكونات المجلس القومي للدفاع المدني، بحملات توزيع مواد إيواء جماعية، بما في ذلك الخيام والبلاستيك المقوى وأدوات السقف، لحماية النازحين من الأمطار والفيضانات. لقد كان هذا العمل الاستباقي هو الفارق بين أزمة إنسانية يمكن احتواؤها وكارثة شاملة، حيث منعت هذه الجهود تفشي أمراض مثل الكوليرا والملاريا في مخيمات النزوح.
– عمليات الإطفاء: مواجهة النيران بإرادة من حديد:-
في واحدة من أخطر المهام على الإطلاق، تصدت قوات الدفاع المدني لحرائق هائلة اندلعت في منشآت حيوية استراتيجية، مما هدد بحدوث كوارث بيئية واقتصادية لا تحمد عقباها. بمواد متواضعة ومهنية عالية، تم إخماد حريق مصفاة الخرطوم للبترول بعد تعرضها للتخريب، وهي عملية خطيرة كانت ستؤدي إلى تلوث هائل لو تم إهمالها. كما تمت السيطرة على حرائق المؤسسات النفطية في بورتسودان التي استهدفتها طائرات مسيرة، وكذلك الحرائق التي شبّت في مطار بورتسودان والقاعدة الجوية. هذه العمليات لم تكن مجرد إطفاء للنيران، بل كانت حماية للأمن الاقتصادي والطاقة للبلاد، وأثبتت أن الكفاءة والإدارة السودانية قادرة على مواجهة أعتى التحديات بأدوات بسيطة لكن بإرادة عظيمة.
– التعاون الدولي وبناء القدرات: نظرية محلية برؤية عالمية:-
إدراكاً منها أن تحديات الكوارث تتجاوز الحدود، انتهجت قيادة الدفاع المدني سياسة ذكية قائمة على تعزيز التعاون الدولي وبناء الشراكات الاستراتيجية. لقد نجحت في ربط القوات بمجتمع الدفاع المدني العالمي، حيث تم تدريب ما يزيد عن 120 ضابطاً ومتدرباً من مكونات المجلس القومي في أكثر من 25 ورشة ودورة تدريبية خارجية. تمت هذه البرامج بالشراكة مع أبرز المنظمات العالمية في المجال، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) والمنظمة الدولية للحماية المدنية (ICDO) والوكالة الإيطالية للتنمية والتعاون:- مؤسسة (CIMA) البحثية، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية والوكالة الأفريقية لاستيعاب المخاطر (ARC). وكانت ثمرة هذا التعاون المثمر تنفيذ أجزاء كبيرة من إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث (2015-2030)، مما رفع من مكانة السودان في المحافل الدولية المعنية. ولكن التتويج الحقيقي لهذا المسار كان inaugurating مركز الإنذار المبكر متعدد المخاطر في بورتسودان في فبراير 2025، بمبادرة من الوكالة الإيطالية. هذا المركز، الذي افتتحه وزير الداخلية رئيس المجلس القومي للدفاع المدني بحضور السفير الإيطالي، يعد نقلة نوعية ستسمح بالاستباقية في إدارة الأزمات وستكون نواة لشبكة من غرف العمليات تغطي كل ولايات السودان.
– نحو المستقبل: توصيات لدعم صمود الدفاع المدني:-
لكي تستمر هذه القوات في أداء رسالتها السامية، فإنها تحتاج إلى دعم عاجل ومعزز. تتمحور أبرز التوصيات حول: توفير معينات الإطفاء والإنقاذ والإسعاف بشكل عاجل يشمل عشرات العربات المتخصصة (إطفاء، إسعاف، تدخل سريع) وآلاف البدلات الواقية من الحرارة والمواد الكيماوية، معدات القطع الهيدروليكية المتطورة. إعادة تأهيل محطات الإطفاء والمباني الرئيسية للدفاع المدني في الولايات الأكثر تضرراً، في الخرطوم والجزيرة وسنار، والتي دمرتها الحرب تدميراً شبه كامل. إنشاء بنية تحتية دائمة وايضا مصادر تغذية عربات الإطفاء . والتحديث التدريجي للأسطول ليتوافق مع المعايير الدولية. الأهم من ذلك، هو تفعيل التدريب المستمر وتبادل الخبرات على المستوى العالمي، واعتماد حلول جذرية قائمة على التنسيق بين كل مكونات المجلس القومي للدفاع المدني للحد من مخاطر الكوارث، مع إشراك المجتمعات المحلية في صميم هذه الاستراتيجية، لأن حماية الوطن مسؤولية الجميع.
خاتمة: إرث من العطاء ووعد بالمستقبل
قوات الدفاع المدني السوداني:-
. قوات الدفاع المدني لم تكن جهة استجابة، بل كانت رمزاً للصمود والإنسانية في أحلك الأوقات. لقد قدموا درساً في كيفية تحويل التراجيديا إلى قصة كفاح وإنجاز. تحت قيادة مخلصة وبرجال أوفياء، أثبتوا أنهم بحق ” انهم حماة للشعب السوداني” ودرعه الواقي. الشكر والعرفان
لسيادة الفريق دكتور/ عثمان عطا مصطفى – مدير عام الدفاع المدني
فان الشكر لك ليس كافيا “و لكن يجب أن يكون شكرنا دعمًا مادياً ومعنوياً وتنظيمياً يليق بما بذلتوه خدمة لهذه البلاد والعباد. وإنكم على أهبة الاستعداد دائماً، وانفسكم تواقة لبذل المزيد من العطاء، لأنكم مؤمنون بأن حماية هذا الوطن وأبنائه هي قضيتكم وشرفكم.