هذه ليست دعوة لحركات الإسلام السياسي لحمل السلاح وتصفية الحساب مع الأعداء حكومة كانوا أو مليشيات ، وإن كان الأمر شرعا هو أقوى الإيمان وذروة سنام الأمر ( الجهاد) إلا أن الطرح هنا بمثابة أضعف الحلول التي يمكن اللجوء إليها ، فثمة خيارات طرحتها في المقالات السابقة ، كخيار الإسلام الإجتماعي وخيار الأنموذج الماليزي باحتضان القومية للإسلام وخيار تجديد الخطاب وتغليب لغة الحوار والاستمرار في طرح الإسلام السياسي ، كل هذه الخيارات أفضل من اللجوء إلى استخدام القوة ،ولكن خيار اللجوء الى القوة قد يفرض،وقد قال الكميت بن زيد في قصيدته التي مطلعها :
ألا لا أرى الأيام يُقضى عجيبها
بطول ولا الأحداث تفنى خطوبها
إلى أن قال :
إذا لم تكن إلا الأسنةُ مركبا
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
أو كما قال الشاعر عبد العزيز الديريني:
مشيناها خُطىً كُتِبَت علَينا
ومَن كُتِبَت علَيهِ خُطىً مشاها
وَمَنْ كَانَتْ مَنِيَّتُهُ بِأَرْضٍ
فَلَيْسَ يَمُوتُ فِي أَرْضٍ سِوَاهَا.
وقال الله تعالى وهو اصدق القائلين:(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا
*عندما تؤتي القوة ثمارها*
الجولاني من إرهابي مطلوب أمريكيا ومكافأة عشرة ملايين دولار لمعلومات تدل عليه إلى سلام بالأحضان مع ترامب وصور تذكارية.
تظل المواجهة المسلحة خيارا آخر وهي خيار لمن لا خيار له، سواء كانت مواجهة من داخل الدولة القطرية العلمانية أو المواجهة مع العالم الخارجي أو الأثنين معا كما حال المجاهدين في أفغانستان أو في سوريا أو السودان فقداضطرت الحركة الإسلامية في السودان إلى حمل السلاح وقتال الجنجويد فالمواجهة هنا ليست أمر تثبيت قيم تؤمن بها الحركة الإسلامية السودانية فحسب ، بل مواجهة وجودية ، فقد دخلت الحركة الإسلامية السودانية، الحرب ضد مليشيات الدعم السريع لأن انتصار الدعم السريع وشركائهم يعني ذبح الإسلاميين فالحرب هنا حرب وجود بالنسبة للإسلاميين ، وعلى الرغم من انتصار الحق في الجولة الأولى إلا أنه لا أحد يأمن مكر الباطل ، لذلك من اوجب الواجبات تحسس الكلاش في كل لحظة وحين .
انتصرت جبهة النصرة أو جبهة نصرة أهل الشام أو جبهة فتح الشام وتوصف أيضًا بالقاعدة في سوريا أو تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام والتي أصبحت فيما بعد هيئة تحرير الشام، كانت منظمة تنتمي لفكر السلفية الجهادية تصنف من قبل الولايات المتحدة کمنظمة إرهابية، وتم تشكيلها أواخر سنة 2011 خلال الحرب الأهلية السورية وسرعان ما نمت قدراتها …
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، إلغاء تصنيف جبهة النصرة المعروف باسم “هيئة تحرير الشام” في سوريا، كمنظمة إرهابية أجنبية وذلك بعد التشاور مع النائب العام ووزير الخزانة الأمريكية.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيانها الصادر يوم 7 يوليو 2025 إنه تم “إلغاء تصنيف جبهة النصرة،
وهكذا انتصر أبو محمد الجولاني المعروف والذى أصبح الآن رئيسا لسوريا باسم أحمد الشرع .
انتصر المجاهدون في أفغانستان في زمن “القطبية الثنائية” غزا الاتحاد السوفياتي السابق أفغانستان عشية أعياد الميلاد عام 1979، مدعيا تلقيه دعوة من الزعيم الشيوعي الأفغاني بابراك كرمال لدعم حكومته “الصديقة” لموسكو، وبعد 10 سنوات من التدخل رحلت القوات الروسية من هناك “رحيلا مذلا”.
وكررت الولايات المتحدة التجربة لاحقا، فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، غزت أفغانستان للإطاحة بنظام حركة طالبان، بزعم دعمه للإرهاب وإيوائها الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، لكن بعد ما يقرب من 20 عاما، تنهي الولايات المتحدة حربها في أفغانستان التي تعد أطول حرب خاضتها أميركا في تاريخها .
فرضت حركة طالبان سيطرتها الكاملة على العاصمة الأفغانية كابل بعد 20 عاما من إطاحة القوات الأمريكية بحكم الحركة .
وبموجب اتفاق مع طالبان، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو قد وافقت على سحب جميع القوات، مقابل التزام الحركة بعدم السماح للقاعدة أو أي جماعة متطرفة أخرى بالعمل في المناطق التي يسيطرون عليها.
وحدّد الرئيس الأمريكي جو بايدن موعدا نهائيا في 11 سبتمبر 2021، الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، للانسحاب الكامل للقوات الأمريكية.
وقالت حينها حركة طالبان إن أي قوات أجنبية تبقى في أفغانستان، بعد الموعد النهائي لانسحاب الناتو في سبتمبر/2021 ، ستكون معرضة للخطر بصفتها “محتلة”.
هكذا هو توازن الرعب وتأثيره على الواقع الدولي وهكذا يتمكن الأسلام السياسي من فرض سيطرته وقهر عظماء الباطل .
وصدق أبو تمام حينما قال :
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ
في مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
صحيح المواجهة المسلحة هي آخر العلاج وقد قيل آخر (العلاج الكي) والمواجهة لا تنجح مالم تتحقق عوامل النجاح لذلك لابد من مراعاة هذه العناصر بعيدا عن التهور والوقوع فرائس لعدو لا يرحم ، فنجاح حركات الإسلام السياسي في سوريا وأفغانستان والسودان تأتي لأسباب موضوعيةفمطلوبات المواجهة المسلحة في حالة العدو الداخلي الذي قد يكون قوة عسكرية نظامية تتبع للسلطات الحاكمة أو قد يكون العدو مليشيات مسلحة تستهدف قيم الإسلام ، تتمثل في :
1.إعداد القوة اللازمة عددا وإرادة وتدريبا وتسليحا .
2.تأمين الجبهة الداخلية من أى غدر وخيانة سيما من القوى السياسية المنافسة .
3.ضمان خط الإمداد لمختلف العمليات اللوجستية
4.تأمين حليف استراتيجي في شكل دول جوار أو دول إقليمية أو حتى عالمية ( كما في سوريا وليبيا حيث تدخلت تركيا وكما الحال في لبنان حيث تدخلت إيران ) .
اما في حالة العدوان الخارجي فتتمثل مطلوبات المواجهةفي :
1.استنفار وتعبئة كل المواطنين للمواجهة كما الحال في السودان .
2.استفراغ كل الجهد للتصدي.
3.البحث عن حلفاء استراتيجيين للمناصرة في المنابر الإقليمية والدولية.
4 .التهيئة المادية والنفسية ربما تطول فترة المواجهة .