إذاعة البيت السوداني وحدها كانت قد إحتفت بالذكرى المئوية لرائد الطب النفسي بإفريقيا البروفيسور الراحل التجاني الماحي في العام 2011 وحينها كان يقودها الإعلامي اللامع الدكتور طارق البحر الذي جعل من إستهلاليته مؤتمراً صحافياً المتحدث فيه هم أسرة الراحل التجاني الماحي، وكنت الصحفي الوحيد الذي كان حضورا داخل الاستديو لحظتها ، حيث تحدث شقيقه مستشار مكتب القبول بالتعليم العالي آنذاك ، الأستاذ مصطفى محمد الماحي وشقيقته الدكتورة منى محمد الماحي الأستاذ المشارك بجامعة الأحفاد وهي أصغر أفراد عائلة الراحل ، بالإضافة إلى إبنته الدكتورة سعاد التجاني رئيس قسم طب الأطفال وحفيدته الدكتورة مروة صلاح التجاني الطبيبة بمستشفى سوبا الجامعي .
وقال طارق البحر إن احتفالية إذاعة البيت السوداني بالتجاني الماحي عبر ثلاثية لأنه أيضاً صاحب ثلاثية في الطب والأدب والاجتماع وأنهم أعدوا لها منذ أكثر من ثلاثة أشهر لأن البروفيسور التجاني من الشخصيات السودانية والإفريقية العظيمة وله إضافات في الفن والثقافة، ولن توفيه إذاعة البيت السوداني حقه في ثلاثة أيام إلا أنها محاولة وكشف عن ملامح الإحتفالية بالتفصيل – وليت إذاعة البيت السوداني اعادت بثها الآن – .
وقال شقيقه مصطفى إن والدهم محمد الماحي أبوريدة أتى من منطقة جبل أم علي وهو طفل مع شقيقته ووالدتهم أتى بهم جده إلى مدينة الموردة بأم درمان وسرعان ما اتجه بكامل الأسرة إلى منطقة الكوةّ لأنها كانت جاذبة، فعمل بها وجمع المال الوفير وأصبح من أعيانها وفيها رأى النور الراحل التجاني الماحي وكل إخوته. مردفاً إن والد التجاني تزوّج عدداً كبيراً من الزوجات مات معظمهن وله من الأبناء والبنات الكثير .
وعن التجاني الطفل قال مصطفى إن والدهم كان يحبه لأنه (البكر) وأن منطقة الكوة قوامها الدناقلة ثم قبيلة التجاني الماحي وهم العمراب الجعليين ثم بقية القبائل .
وحول أغرب غرائب ذلك الزمان قال إنه كان معروفاً لدى أهل الكوة بأن السمك والدجاج هو طعام الفقراء ولا يرحم أي غني إذا تذوقه لأن رائحة السمك كريهة والدجاج يأكل كل شيء دون فرز. وأضاف أن والد التجاني كان يأكل السمك والدجاج لأنه يرى ألا فرق بين الناس .
أما شقيقته الدكتورة منى فقالت إنها وللفارق الكبير بينها والراحل أنها عندما كانت طالبة بجامعة الخرطوم والتجاني كان أستاذاً بكلية الطب فإن الناس كانوا يعتقدون أنها إبنته وليس أخته كما أنه هو من شجعها لدراسة الطب .
أما الدكتورة سعاد كريمة الراحل قالت إن والدها أبو الطب النفسي في السودان كان يحبها وكان عطوفاً حنوناً، بل ويرسل إليها ولأمها (كرتاً) من كل مدينة يزورها وعرفت بعض كروته منذ عامي 1959- 1960م بدول مختلفة .
وعن آثاره قالت كلها تم نقلها لجامعة الخرطوم إلا بعض الخطابات من صديقه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وملكة بريطانيا إليزابيث وعدد من الزعماء .
وعن حياته قال أفراد أسرته مجتمعين إن الراحل التجاني الماحي كان بسيطاً في كل شيء فهو يلبس (العراقي والسروال) ويحب سماع الموسيقى. وعن طعامه أبانوا أنه لا يحب الجلوس على (السفرة) بل يجلس في (عنقريبه) وبيده كتاب وإذا وضع الطعام بجانبه فإنه يبدأ أكله دون أن ينظر إليه وهو يحدث في كتابه الذي يمسكه بيده اليسرى ثم ينادي على بنته سعاد ماداً لها يده اليمنى لتغسلها له دون أن يترك القراءة .
وفي سؤال لي عن علاقة الراحل بالزعيم الأزهري أفادوا بأن التجاني عندما كان طالباً بكلية غردون كان الزعيم الأزهري أستاذاً له وأهداه كتاباً عن الطب النفسي وهو الشيء الذي حفَّزه لدراسة الطب النفسي في الخارج وعقب عودته إبتاع ذات الكتاب وأهداه للأزهري، فما كان من الزعيم الأزهري إلا وأن طلب من التجاني الماحي أن يكتب الإهداء ويوقعه بلقب «الدكتور» بعد أن تحققت نبوءة الأزهري فيه ..
وعن طريقته في العلاج أفادت الأسرة أن الراحل كان فخوراً بأنه درس الطب النفسي وتخصص فيه وكان لا يخبئ مرضاه عن أحد ويجعلهم يخالطون الناس وكذلك أفراد أسرته لذلك لم يتجه أي من أفراد الأسرة إلى دراسة الطب النفسي خوفاً من الفشل خاصة بعد النجاح الباهر الذي حققه المحتفى به التجاني الماحي. كما أنه كان يذهب إلى المرضى بمسائد الشيوخ وهم مكبلين وكان يعطي الشيخ (حبوب) ويقول له أعطي هذا المريض (حبة كذا) في الوقت الفلاني بعد أن تعطيه (البخرة) واستطاع بهذه الحيلة الوصول إلى مرضاه داخل حيشان الشيوخ. ونقل عنه الطبيب النيجيري التجربة إلى بلاده .
وأفادت الأسرة بأن الراحل كان يقرأ لثمانية عشر ساعة يومياً وأنه مولع بالقراءة لدرجة أن الكتب كانت في كل مكان في بيته وكان يطلب من ابنته سعاد أن تعيد ترتيبها له، ويوصيهم جميعاً باحترام الكتاب ، ومن الطرائف أنه كان يقرأ ثلاثة كتب في آن واحد يتحوَّل من هذا إلى ذاك، وفي فلسفته أنها طريقة للراحة من القراءة في شيء واحد قد يكون مملاً. ومن كتبه التي ألفها (الزار والطمبرة في السودان) .
ويذكر أن الراحل البروفيسور التجاني الماحي من مواليد مدينة الكوة بولاية النيل الأبيض في أبريل من عام 1911م وتوفى في الساعات الأولى من صباح الخميس 8 يناير 1970م ، وكان قد تخرَّج بمدرسة كتشنر الطبية التابعة لكلية غردون عام 1935م وحصل على دبلوم عالي في الطب النفسي من إنجلترا في يوليو 1949م كأول سوداني إفريقي يتخصص في الطب النفسي، وأطلق اسمه على أول مستشفى للصحة النفسية والعصبية في السودان وأقيم بأم درمان وهو مستشفى التجاني الماحي ۔
سفر القوافي محمد عبدالله يعقوب الذكرى 114 لميلاد د۔ التجاني الماحي ابو الطب النفسي بأفريقيا !!
