43 C
Khartoum
الأحد, يونيو 8, 2025

الكنز المفقود.. يكافح الكوليرا.. أتدرون ما هو؟ إنه.. {الجزيرة}.. الأرض.. والانسان.. والنظام.

إقرأ ايضا

بقلم / محمد أبوزيد مصطف

المدخل المحزن هو انتشار وباء الكوليرا بسبب تلوث المياه والاطعمه، وهو ينتشر وتتسع دائرته شيئا فشيئاً بين الولايات..
وهنا يحسن ان استذكر واذكر اهل وطني بتجربة رائدة في أرض الجزيرة، أرض المشروع الاستيطاني، ولذلك صُمم، وبخارطة هندسية تحكي براعة توزيع القري السكنية، والمَزارع، ومكاتب التفتيش،والسكك الحديدية والترماي، وقناطر الري الانسيابي التي كانت تضبط منسوب المياه في الترع وقياس مقاديرها اليومية عبر البوابات والمحابس بواسطة عمال الري المتخصصين المقيمين بهذه القناطر، وخفراءهم بكل قرية لمتابعة سقيا (النِّمَر) و(الحواشات)، ، ومهندسو الري والمفتشون الذين يراقبون (التُرَع) و(الكنارات) لِعَزقِها من الاطماء والحشائش الطفيلية والأشجار المعيقة لحركة انسياب مياه المشروع، وعمال الصحة الذين يكافحون الآفات برش (الترع) بالمبيدات تحسباً وخشية من تلوث المياه وانتشار النواقل الوبائية مثل الملاريا والكوليرا، والبلهارسيا، والطحال، وغير ذلك من الأمراض المعوية الفتاكة..

كان يصاحب هذه المنظومة برامج تثقيف صحي تقوم به فرق متخصصة تجوب القري والحَلّال لتوعية السكان وخاصة المرأة وربات البيوت بنظافة الأواني والمنازل ومكافحة الذباب والبعوض، وتنبيه الشباب الي أهمية صحة البيئة وتنظيف الشوارع والمرافق،، مضافاً الي هذه الحزمة من التدابير يأتي دور الزائرة الصحية و(المرشدات) اللواتي يعلمن ربات البيوت والنساء في خدورهن فنون ومهارات الحياكة والطباخة والاسعافات الاولية،، وتقوم الوحدات الصحية(الشفخانات) عبر الممرضين (التمرجية) بدور فعال في التطبيب وتوفير أدوية الصحة الأولية مجاناً،، وكذلك القابلات (الدايات) المُدَربات بعمليات التوليد الصحية دون عمليات قيصرية معقدة..

ولأن عمليات الري في المشروع تتعرض بين الحين والآخر الي بعض الإهمال فتنكسر بعض الترع بسبب هشاشة الردميات، أو ارتفاع منسوب المياه فوق الحد المقرر، وكذلك قد تتسرب بعض المياه من مجاريها بالحواشات عندما يغفل بعض المُزارعين أو (الغفراء) عن سدها من الترع بعد الاكتفاء ،، فإن مثل هذه الهنّات تؤدي الي أن تتحول هذه المياه من كونها متحركة في القنوات الرسمية الي مياه راكدة متجمعة في بِرَك ملوثة، وعندما ينمو الزرع وتكثر الحشائش المروية بالمياه، فتلقائياً تتوالد وتتكاثر معها النواقل مما يستدعي عمليات رش غير يدوي فتنهض حينئذٍ (طائرات الرش) وتغطي كافة المحاصيل المزروعة، خاصة محصول القطن وتغطي عمليات الرش الجوي كذلك القري المجاورة لمحاصرة النواقل ان لم يتم القضاء عليها بالكلية…
كل تلك التدابير والاحترازات كانت تتم بطريقة منتظمة سنوياً دون انفراط أو اختلال..

وحين اتابع انتشار الوبائيات في بلادنا بانتظام بين موسم وآخر، وانتقالها من ولاية الي ولاية، وبأشكال مختلفة من الملاريا الي البلهارسيا الي الشكينغونيا الي حمي الضنك، ثم الكوليرا، وفي كل عامٍ تُمتحنون ،، لماذا؟… لاننا لا نستفيد من تجاربنا ولا نحافظ على مكتسباتنا،، وحالنا كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ، والماء فوق ظهورها محمول،، فهل حقاً ما كان يحصل في مشروع الجزيرة مع أهلها الطيبين وبهذه الرعاية الصحية الأولية لإنسانها والعناية الفائقة بصحة بيئته كفيل بأن يدفعنا دفعاً للمحافظة عليه ثم تعميمه علي كافة الأرجاء؟ ،، أم هو كنزٌ مفقودٌ لا نزال نلهث ونبحث للتنقيب عنه والعثور عليه ؟

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة