تُدبّر أمر العبد في غفلته، وتلطف به في يقظته، وتقدّم له الخير واليُسر والمَعية.
وقد يظن العبد أنّه وحده، وأنّه قد تُرك لما فيه، فيجد حفاوة قد امتدّت إليه دون أن يدري، ولطفًا سُقي به صدره من حيث لا يعلم، وعطاءً سبق دعاءه، وسترًا لحاله دون انكشاف ضعفه.
فالحفيّ سبحانه لا ينسى أمر عبده، ولا يهمل حاله، ولا ينتظر منه سؤالًا ليمنحه، بل يعطيه لأنّه يعلمُه، ويهبه لأنّه يرحمه، ويقوده برفقٍ حين لا يُحسن السير.
منذ كان المرء طفلًا لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة، كانت حفاوة الله تحيطه، لا بجهدٍ، ولا بسعي منه، بل برحمةٍ سبقت وجوده. ثم كبر، وتقلّبت به الأيام، فضعُف حينًا، وجحد حينًا، وأعرض حينًا، لكن حفاوة الله لا تزال قائمة، ولطفه ورأفته وحنانه لا يزال جاريًا.
حفاوة الله إنما هي مقامٌ دائمٌ لمن آنس بقُربه، وسكن إليه، والعبد إن أسرف، وإن أبطأ، وإن أعرض، فإن الله لا يُبعده، ولا ينساه، بل يظلّ ينسج له من رحمته ما يدفئ قلبه في بَرد الوحدة، ويقيم الحِيَل بينه وبين سقوطه.
﴿إنه كان بي حفِيًّا﴾ فيها ما يُغني عن السؤال، ويمسح عن قلب العبد كلّ اللحظات التي ظنّ فيها أنّه كان وحده، فالله أقرب إليه مما ظنّ، وأرحم ممّا رجا، وألطف ممّا تصوّر.