37.1 C
Khartoum
السبت, يوليو 5, 2025

رؤية مستقبلية شاملة للاستنفار والمقاومة الشعبية بعد معركة الكرامة في السودان قلم وطني بقلم: خالد المصطفى إعلام لواء الردع

إقرأ ايضا

.تحول تاريخي من ساحات القتال إلى درع وطني
اندلعت حرب السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، محوِّلة البلاد إلى ساحة صراع وجودي. في خضم هذا الدمار، برز الاستنفار و المقاومة الشعبية كظاهرة فريدة تجسيداً لإرادة الشعب السوداني في الدفاع عن كيان الدولة. لم تكن معركة الكرامة مجرد مواجهة عسكرية بل لحظة تاريخية كشفت عن عمق حب الشعب السوداني لتراب هذه البلاد ولقواته المسلحة. هذا الحب خلق تحالف فريد بين بندقية الشعب والجيش لم يُحرر الأرض فحسب بل صهر الهوية الوطنية في بوتقة واحدة. هذه التعبئة والاستنفار الذي أُعلن عنه رسمياً تحت شعار معركة الكرامة كانت حركة دفاعية عميقة الجذور عن الهوية السودانية ضد خطر التفتيت والتمرد المنظم.

.التشكيل والآليات: من التلقائية إلى المؤسسية
انطلقت المقاومة كحشود شعبية مسلحة بتدريب مكثف من قوات الشعب المسلحة تحت راية الفريق اول ركن / عبد الفتاح البرهان ، تحولت بحلول مارس 2024 إلى كيان مؤسسي عبر المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية في بورتسودان. هذا التحول كان نتاج تراكم خبرات قتالية في معارك الخرطوم ودارفور حيث نجحت في حشد ما يقارب أربعين ألف متطوع تم تدريبهم في اثنين وعشرين معسكراً منتشراً من نيالا في دارفور إلى دنقلا في الولاية الشمالية …. الخ . لقد أثبتت التجربة أن قوة الشعب تكمل بسالة الجيش فالمقاومة الشعبية قدمت العيون الساهرة على الأرض والمعرفة الدقيقة بتضاريس الوطن ونسيجه الاجتماعي بينما وفر القوات المسلحة الغطاء الاستراتيجي والعتاد الثقيل. هذا الدمج العملياتي حوّل الأحياء والجبال إلى حصون منيعة حيث تحول المواطن العادي إلى خط دفاع أول.

.الأدوار المتعددة: أكثر من مجرد قوة قتالية
لم تقتصر أدوار المقاومة على الخطوط الأمامية في أم درمان أو جبال النوبة ….. الخ بل تجاوزتها لبناء أنظمة أمن مجتمعي متكاملة. في ولاية الجزيرة وولايات اخرى شكل المتطوعون خلايا حراسة حيوية حمَت المستشفيات من السلب بينما في نيالا بدارفور وويلايات اخرى أنشأوا شبكة إنذار مبكر باستخدام أنظمة اتصال لاسلكي محلية قللت الهجمات بنسبة سبعين بالمئة.

.دور الاستنفار الشعبي في معارك الحسم: كان نظام الإنذار المبكر في معركة أم درمان الحاسمة كان الاستنفار الشعبي العامل الحاسم في كسر تقدم قوات الدعم السريع عندما حوّل سكان الأحياء مآذن المساجد وأسطح المنازل إلى منصات مراقبة باستخدام إشارات ضوئية ونظام نداءات متسلسل. هذه الشبكة البديلة التي انتظمت خلال ثمان وأربعين ساعة فقط سمحت لقوات الجيش بالمناورة السريعة وأفشلت خطة التطويق.

.الاستنفار كسلاح لوجستي: كان جسور الإمداد الحيوية
خلال حصار الأبيض في كردفان وايضا في ولايات اخرى برز دور استنفار في مناطق مثيره في إنشاء ممرات إغاثة حيث قام مزارعون كمثال من قرى أم روابة وبارا قاموا بتحويل عربات الري التقليدية إلى قوافل إمداد ليلية تنقل الذخيرة والمؤن عبر مسارات صحراوية مستخدمين تقنيات بدائية كإشارات الدخان وعلامات الصخور. الأكثر إثارة تحولت نقاط التفتيش في مدني والقضارف إلى مراكز إغاثة وزعت خمسة عشر ألف طرد غذائي شهرياً.

.التحول الاستراتيجي: كان التحول من المحارب إلى الباني الحارس
المستقبل يفرض تحويل طاقات الشباب من ساحات القتال إلى ميادين البناء واليقظة الدائمة فسيتحول الطبيب المقاوم إلى نواة لوحدات طبية عسكرية سريعة الانتشار والمهندس الشاب سيطور منظومات اتصال مشفرة والمبرمج الثائر سيصمم أنظمة إنذار مبكر ضد التهديدات الأمنية بينما يدخل المعلم المناضل مناهج الدفاع الوطني في الصفوف الدراسية.

.تحويل التحديات إلى فرص: هي رؤية استباقية للمستقبل
لضمان تحول المقاومة من قوة طارئة إلى عماد استقرار دائم يجب معالجة إشكالياتها الهيكلية من خلال دمج الفصائل المتناثرة عبر نظام القيادة الموحدة ومراقبة التسليح الذكي بسجل إلكتروني للأسلحة وتفعيل مجالس التوفيق القبلية في مناطق التماس.

.الرؤية المستقبلية: من قوة الطوارئ إلى عماد الاستقرار
تكمن القيمة الجوهرية لهذه القوة في قدرتها على استنزاف التمرد عبر تجفيف منابع التجنيد للخصم وتوفير حماية إقليمية فعالة كما حدث في ولاية نهر النيل حيث صدت التشكيلات الشعبية ثلاث هجمات كبرى بقوات متفوقة تسليحاً. المستقبل يبني جسوراً لا تنقطع بين الجيش والمجتمع عبر وحدات مشتركة دائمة في مجالات الطاقة والاتصالات والطب وأكاديميات الدفاع الشعبي التي تُخرّج قيادات شابة مدربة أكاديمياً وعسكرياً مع إجراء مناورات وطنية سنوية تُشرك المواطنين في عمليات الدفاع عن المدن وإنشاء مصانع عسكرية مدنية لإنتاج المعدات الطبية والاتصالية محلياً.

.المقاومة الشعبية بعد المعركة: ضرورة البقاء وواجب الاستمرار
مع نهاية معركة الكرامة وبداية مرحلة الاستقرار السياسي والعسكري، تبرز الحاجة الملحة للإبقاء على المقاومة الشعبية كقوة مجتمعية استراتيجية دائمة لا تنتهي بانتهاء الحرب. فالمقاومة لم تكن فقط أداة قتالية ظرفية، بل كانت التعبير الصادق عن إرادة الشعب السوداني في حماية ترابه وهويته. ينبغي أن تتحول هذه الروح إلى ثقافة وطنية عامة يُربى عليها النشء وتترسخ في مؤسسات التعليم والإعلام والمجتمع. عندما يُصبح كل مواطن سوداني جزءاً من منظومة مقاومة واعية ومدربة، فإننا نؤسس لمنظومة ردع مجتمعية شاملة تمنع أي تمرد مستقبلي قبل أن يبدأ وتُربك أي مخطط تفكيكي في مهده. إن إبقاء المقاومة الشعبية حية وفاعلة يعني ببساطة أن السودان بأسره سيتحول إلى قلعة يقظة، وأن من تسوّل له نفسه إعادة مشهد التمرد سيجد نفسه في مواجهة أمة بأكملها لا مجرد جيش. فالرسالة الأهم هي أن عهد الضعف والتغاضي عن الحلقات الأولى للفتن قد ولى، وأن كل محاولة للانقلاب أو إثارة الفوضى ستُواجه ليس فقط بقوة السلاح النظامي، بل بوعي شعبي متقدم وتنظيم مقاوم حاضر في كل حي وقرية وسهل وجبل. إننا إذا أردنا سلاماً دائماً واستقراراً عميقاً فلا بد أن نحافظ على نواة المقاومة الشعبية ونعيد تشكيلها لتكون أداة دائمة للحماية والتنمية على حد سواء.
.دمج المقاومة في القوات المسلحة: نموذج سوداني مستدام
يعد الدمج العسكري التحدي الأكبر ويتطلب تدرجاً زمنياً بدءاً بدمج 60% من المقاتلين في وحدات الجيش النظامي كقوات دفاع إقليمي بينما يُحوّل الباقون (40%) إلى قوات شبه نظامية تحت قيادة الجيش مهمتها حماية المنشآت الحيوية.
.الرقابة الشعبية: عيون لا تنام
ستصبح المقاومة المنظمة نظام إنذار مبكر من خلال شبكات مراقبة محلية ترصد الحركات المشبوهة عبر آلاف المتطوعين المدربين ومنظومة بلاغات رقمية موحدة مرتبطة مباشرة بغرف العمليات العسكرية ولجان حماية الأحياء المدعومة بتدريب أمني متقدم.
.التحصين الاقتصادي:
السيادة تبدأ بالبناء
المقاومة الحقيقية هي بناء سودان لا ينهار عبر مشاريع الطاقة المحلية الصغيرة كخط دفاع أول ضد التخريب ومخازن الحبوب الاستراتيجية في كل قرية تحمي من حروب التجويع وورش الإنتاج العسكري لصناعة المعدات البسيطة وبنوك الدم المتنقلة التي تديرها كوادر شابة.
.التمكين المؤسسي: نحو نموذج سوداني فريد
الطريق إلى المستقبل يحتاج إلى دمج تدريجيا” ذكي للمقاومة الشعبية بعد معركة الكرامة في يحول المقاتلين إلى مدربين في القطاعات الحيوية وتجنيد اختياري دائم للشباب في قوات الاحتياط مساندة للقوات المسلحة مع منظومة حوافز وطنية تشمل أولوية في الوظائف ومنح دراسية ورعاية صحية. يمكن استلهام النماذج الدولية كتجربة كولومبيا حيث تحولت قوات الفارك من تمرد إلى حزب سياسي أو النموذج اللبناني في دمج الفصائل المحلية في أجهزة أمن بلدية.

.الرؤية المجتمعية: سودان لا يُقهر
في سودان المستقبل ستتحول كل قرية إلى قلعة وكل مواطن إلى جندي مدرب فالمزارع يعمل محققاً بيئياً يرصد تحركات المشبوهين بين المزروعات والطبيب البيطري يصير عنصراً في شبكة الإنذار المبكر للأوبئة وسائقي الركشة او التوك توك يشكلون شبكة مراقبة طرقية سريعة والمرأة السودانية قائدة وحدات الدعم اللوجستي والإخلاء.

.المقاومة الشعبية بعد المعركة: ضرورة البقاء وواجب الاستمرار
مع اقتراب نهاية معركة الكرامة وبداية مرحلة ما بعد الحرب، تبرز ضرورة تاريخية واستراتيجية تتمثل في الإبقاء على منظومة المقاومة الشعبية كأداة دائمة في بنية الأمن القومي السوداني. فالمقاومة الشعبية لم تكن مجرد رد فعل ظرفي لحالة طارئة، بل كانت تعبيراً أصيلاً عن وعي مجتمعي عميق بأن الدفاع عن الوطن ليس مهمة حصرية على الجيش النظامي، بل هو واجب جماعي يشترك فيه كل مواطن سوداني، في أي موقع كان.

.(المقاومة الشعبية: صمام أمان السودان ووحدة الولايات):
.في ظل ما يشهده السودان من تحولات عميقة بعد معركة الكرامة، تبرز المقاومة الشعبية ليس فقط كقوة رديفة للجيش الوطني، بل كأحد أعمدة الاستقرار وضمانات الوحدة الجغرافية والسياسية للبلاد. (إن الدعوات التي تنادي بحل المقاومة الشعبية ) بحجة انتهاء العمليات العسكرية المباشرة تغفل تماماً عن طبيعة التهديدات المستقبلية، التي لم تعد تقتصر على الجبهات المفتوحة بل تتمدد إلى الاختراقات الأمنية، وحروب الجيل الرابع، والتمردات الناعمة التي تتسلل من داخل النسيج الوطني.
.المقاومة الشعبية اليوم ليست مجرد تشكيلات قتالية ظهرت تحت ضغط الحاجة، بل هي تعبير عن ولاء عميق للوطن، وتجلٍّ نادر لإرادة الناس في الدفاع عن أرضهم وهويتهم وكرامتهم. إنها نتاج مشاركة جماعية حقيقية لآلاف المواطنين الذين ضحّوا، ودافعوا، وقدموا من وقتهم وأرواحهم ما لا يمكن إنكاره. والحفاظ على هذه المنظومة لا يجب أن يكون مكافأة، بل ضرورة أمنية ووطنية لا تقبل المساومة.
.إن السودان بلد واسع مترامي الأطراف، تحيط به تحديات أمنية من كل الجهات، وتنبثق داخله في كثير من الأحيان نزعات قبلية وجهوية تهدد الاستقرار. وهنا تبرز المقاومة الشعبية كأداة فعالة لربط المركز بالأطراف، إذ تسهم في تعزيز ولاء الولايات للدولة الوطنية، وتحمي العمق القومي من النزعات الانفصالية والتدخلات الخارجية. فحين تكون هناك مقاومة شعبية يقظة ومنظمة في كل ولاية، فإن يد الدولة تمتد تلقائياً إلى كل قرية وبادية وجبل، ويشعر المواطن في تخوم الحدود بأنه مشارك في بناء الوطن لا مجرد مراقب لما يجري في المركز.
.الولاء لا يُبنى بالأوامر الفوقية، بل بالدماء التي سالت معاً، والمعسكرات التي احتضنت أبناء جميع الولايات، والجبهات التي وحّدت اللسان والراية والهدف. لقد صنعت المقاومة الشعبية هذا الشعور الوطني الموحد، وكسرت الحواجز بين العاصمة والأقاليم. فكيف نأتي اليوم لنهدم هذا الإنجاز، ونُفرّغ الساحة من حضور شعبي كان هو الركيزة الحقيقية لصمود الوطن؟
.المخاطر لم تنتهِ، والتمرد قد يعود في أشكال أخرى أكثر خطورة، وإذا كنا قد نجحنا في كسره بالسلاح في هذه الجولة، فإننا نحتاج إلى قوة مجتمعية مدربة تحرس ثغور البلاد، وتمنع تسرب الأزمات الأمنية من جديد. الحل لا يكون بإلغاء او حل المقاومة، بل بتطويرها، بلابقاء عليها ودمجها القوات المسلحة وتنظيمها، وتأهيلها لتكون ذراعاً دائمة ضمن بنية القوات المسلحة و القوات العسكرية النظامية الاخرى.

.(إن حل المقاومة الشعبية الآن يعني ترك الولايات مكشوفة، وتجريد الدولة من شبكة الحماية الاجتماعية التي تكونت بدماء المواطنين). وهو دعوة مبطنة لتفكيك وحدة الصف الوطني وإضعاف قدرة الدولة على الامتداد الطبيعي داخل الأقاليم. فالحكمة تقتضي الإبقاء على هذه القوة، وإعادة تأطيرها ضمن هياكل مؤسسية تحفظ انضباطها، وتضمن ولاءها للقيادة العليا للدولة، بعيدًا عن التسييس أو الفوضى.
.المقاومة الشعبية ليست جيشًا رديفًا فحسب قوة مساندة للقوات المسلحة ( يجب تسميتها بعد دمجها بقوات الجيش الاحتياطي المساندة )، بل هي سوف تكون مشروع وطني طويل المدى، يؤسس لعقيدة وطنية موحدة جديدة ، وتزرع ثقافة أن كل مواطن هو جندي محتمل في سبيل أمن السودان. وبهذا المعنى، فإن الحفاظ عليها واجب، ليس فقط لصد الأخطار، بل لبناء سودان المستقبل المتماسك، المتكافل، الموحّد. فكما لا يجوز تفكيك الجيش الوطني، لا يصح إلغاء مقاومة أثبتت ولاءها في أقسى الظروف، وكانت دومًا في الصف الأول من أجل الوطن.

.خاتمة: الكرامة الخالدة.. درع الشعب الدائم
معركة الكرامة علمتنا أن الأمن ليس مسؤولية الجيش وحده بل عهد مشترك بين كل أبناء السودان. الرؤية المستقبلية تخلق شعباً مسلحاً بالعلم واليقظة جاهزاً كخندق أول أمام أي تهديد. درع السودان الأبدي هو شعب يتحول إلى جيش شعبي منظم يعمل مع قواته المسلحة كجسد واحد حيث لا ننتظر التمرد بل نمنع حدوثه ولا نرصد الخطر بل نحصّن الوطن ضده. في هذا المستقبل يصير كل سوداني حارساً ليلاً ونهاراً ليس بالسلاح وحده بل بالعلم والانضباط والوعي فتكون الأمة كلها حصناً وأمن الوطن مسؤولية كل مواطن. هذا هو جوهر نموذج الدمج التاريخي: 60% قوة نظامية دائمة، 40% حرساً شعبياً واعياً، ليبقى السودان صامداً كالجبال.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة