حين تشتد المناورات السياسية وتتعدد الرؤى حول قسمة السلطــة، لا بد أن يظهر الحسم من مركز القرار الســيادي، وهذا ما فعله الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في ملف تقاسم الوزارات مع الحــركات المسلحــة، ليعيد ترتيب المشهد وفق اتفاق جوبا لا وفق الأهواء والتكتيكات العابرة.
فقد كشفت مصادر ان حــركة تحــرير السودان بقيادة مني أركو مناوي أن نصيب الحــركات المسلحـة في الحكومـة الجديدة قد حُسم نهائياً، بعد مشاورات مباشرة مع مجلس السيادة. ووفقاً لما تسرّب، فقد تم تثبيت وزارتي المالية و المعادن كحق أصيل لحركات دارفور، على أن تظل المالية بيد حركة العدل والمساواة و المعادن لحركة تحرير السودان.
وفي هذا الإطار، يرجّح أن يحتفظ د. جبريل إبراهيم بمنصبه وزيراً للمالية بنسبة كبيرة، رغم تحفظات رئيس الوزراء الانتقالي الذي كان يرى أن له كامل الحق في تشكيل الحكومـ.ـة الجديدة. إلا أن البرهان حسم الجدل لصالح اتفاق جوبا للسلام، في خطوة تُقرأ بأنها رسالة طمأنة للحركات، وإشارة إلى استمرار ترتيب المشهد وفق موازين ما بعد الحـ.ـرب طموحات ما قبلها.
أما وزارة المعادن، فإنها مرشحة لحدوث تغيير جوهري، إذ اتوقع أن يُعفى الوزير الحالي محمد بشير أبونمو، على أن يترشح بديله من داخل حــركة مـناوي، وأبرز الأسماء المتداولة هو نور الدائم طه، مساعد رئيس الــحركة، والذي يتمتع بثقة واسعة داخل صفوف الحركــة ودوائر القرار السياسي بدارفور.
وفيما يخص مذكرة محمد سيد أحمد سرالختم (الجاكومي) بشأن مطالبته بنسبة 25% من السلــطة وفق مسار الشمال، فقد حمل الرد من مجلس السيادة دلالات حاسمة؛ هي أن هذه النسبة قُسمت بين الحركــات الرئيسية في دارفور و الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، وأن بقية المسارات ومنها مسار الشمال جاءت ملحقة باتفاق جوبا لا أصلية فيه، ما يُسقط حجة الجاكومي قانوناً وسياسة.
و أن حديث مقرر الوساطة الجنوبية لم يكن في محله، فالاتفاق نص على أن المسارات لها بروتوكولات خاصة ولا يجوز مساواتها بالحــركات المسلحــة التي خاضت مفاوضات كاملة وتحمّلت كلفة الصـ.ـراع المسلـح والتسويات. وقد جاء الرد الســيادي واضحاً: لا تعديل لاتفاق جوبا عبر الوسيط، ولا مجال لإعادة تفسير فقراته خارج إطار الإرادة الوطنية.
“وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين”
فالإرادة لا تُنجزها المذكرات الصاخبة، بل الاتفاقات الملزمة، والمواقف الثابتة.
إن المشهد السياسي يعاد تشكيله اليوم في ضوء معادلات ما بعد الحــرب، وعلى من يريد نصيباً من السلطــة أن يحوز أولاً على نصيب من الوطن، في الدفاع عنه، والبناء فيه، لا أن يبحث عن مواقع في لحظة تقاسم لم يُشارك في صنع ثمنها.
وبينما تُعيد حكومة الأمل ترتيب صفوفها على قاعدة الوفاق والاستحقاق، تظل التحديات ماثلة، والعيون مفتوحة، والمساءلة واجبة.. فليست العبرة بمن عاد إلى الكرسي، بل بما سيصنعه في مقعد المسؤولية.
وأنا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة
اتفاق سلام جوبا بين السيادة والحركات باقي: تثبيت الوزارات وإقصاء مطالب الجاكومي ✒️ مسارب الضي | د.تبيدي تبيدي
