الوقاف بين يدي منابت قناعات الراحل محمود محمد طه يتبين بداهة أن فكره لاينفك عن الإتكاء والتأسيس على أصول فكرية مستمدة من ثقافات ماقبل الاسلام، وهذه الثقافات كانت حجر أساس للأصول التي قام عليها طرح غلاة الصوفية (ممن جانبوا الفهم السليم للدين).
وهذه التربة هي التي نبت فيها فكر محمود محمد طه الجمهوري، ولمن أراد الاستيثاق عن ذلك عليه قراءة كتاب الفِرَق والمذاهب المعاصرة.
الفكر الجمهوري ليس سوى (تفريغ) للاسلام من داخله، وهنا تظهر جلياً نقطة الالتقاء بينه والشيوعية!…
فمنابت الشيوعية تحكي عن تربة لافظة وشانئة للدين من حيث الأصول الفكرية (اعتقادا وممارسة ومظهرا)، ومعلوم بداهة أن الذي يؤسس على ذلك يظل بنيانه يحمل ذات الصبغة والتوصيف مهما تلونت الأغصان وتشكلت الاوراق!…
فمن منا ينسى عبارات مثل (الدين افيون الشعوب)؟!، ولإن لم تسمعها أجيال اليوم فقد سمعناها من أفواه الشيوعيين سنين عددا!
ولقراءة وسبر لغور اعترافات راحلنا احمد سليمان المحامي رحمه الله في كتابه الثمين مذكرات شيوعي اهتدى ليتبين بما لا يدع مجالا للشك سعي الفكر الشيوعي الى محاربة الاسلام جهارا ونهارا في السودان، وتكفي الإشارة الى إسم الكتاب الذي حرص الكاتب بأن يصف نفسه بكونه (شيوعي اهتدى)!
ولكن ينبري السؤال:
هل يستطيع الحزب الشيوعي السوداني التصريح والإعلان عن رفضه للإسلام في مجتمع يتجذر فيه الإسلام قناعات وسلوك ومظهر؟
بالطبع لا…
اذن لابد من البحث عن واجهة ومظلة يفعلون ذلك من خلالها…
هذه الواجهة وتلك المظلة هي محمود محمد طه وفكره الجمهوري…
ولعل السبب الأساس في استمساك الشيوعيين بمحمود محمد طه والجمهوريين؛ كون الفكر الجمهوري -برغم القاسم المشترك بينهم وبين الشيوعية كمنهج وفكر- الاّ أنه يتبدى للناظر والقارئ فكرا يتسربل بثوب الإسلام لما فيه من استشهاد بالقرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه…
لكن يبقى ال(لب) والأصل فكراً يدعو الى:
1- إيجاد الفرد البشري الحر (الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول) كما قال محمود.
2- إقامة المجتمع الصالح “وهو المجتمع الذي يقوم على المساواة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية”.
* المساواة الاقتصادية: وهي تبدأ بالاشتراكية وتتطور نحو الشيوعية.
* المساواة السياسية: وهي تبدأ بالديمقراطية النيابية المباشرة وتنتهي بالحرية الفردية المطلقة، حيث يكون لكل فرد شريعته الفردية.
* المساواة الاجتماعية: حيث تمحي فوارق الطبقة واللون والعنصر والعقيدة.
3- محاربة الخوف.. “والخوف من حيث هو الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك (ويعني هنا مخافة الله) ولن تتم كمالات الرجولة للرجل وهو خائف، ولا تتم كمالات الأنوثة للأنثى وهي خائفة في أي مستوى من الخوف وفي أي لون من ألوانه، فالكمال السلامة من الخوف” رسالة الصلاة، ص 62.
4-إنهم سوف يحكمون ـ في حال قيامهم ـ بالشريعة الإنسانية التي أدناها القانون الدستوري الذي جوهره رفع الوصاية عن الرجال والنساء ـ كما يقولون.
5- يكرر زعيمهم بأنه “ليس في القرآن قانون دستوري، ويركز كذلك على أن الشريعة الإسلامية إنما قامت على الوصاية، وحيث كانت الأمة قاصرة كان النبي وصيًا حتى على الرجال، فإن الرجال بدورهم ـ وعلى ضوء قصورهم ـ كانوا أوصياء على النساء” وأنه قد جاء الآن لرفع هذه الوصاية عن الرجال والنساء بعد أن وصل النساء إلى الرسالة الثانية التي جاء بها.
– لقد تلقى النبي عليه السلام رسالته عن الله بواسطة جبريل، وسمى هذه الحالة ـ حالة تلقى الرسالة عن طريق الوحي ـ حالة الإدراك الشفعي، حيث يكون النفخ من الخارج، والخوف هنا يكون حاضرًا.
6- الدين ـ في نظره ـ هو الصدأ والدنس وذلك كله قد كان بسبب الكبت الذي جرى منذ نشأة المجتمع البشري والذي لا يزال يجري، وقد قام في ظل الأوهام والخرافات والأباطيل التي صحبت علمنا بالله وبحقائق الأشياء وبما يكون عليه الواجب عليها نحو أنفسنا ونحو الله ونحو الجماعة.
– يقول بأن مستوى شريعة الأصول هو مستوى الرسالة الثانية من الإسلام وهي الرسالة التي وظف حياته على التبشير بها والدعوة إليها.
– يزعم بأن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الإنسان في سائر أمته إذ كانت له شريعة خاصة قامت على أصول الإسلام وكانت شريعة أمته تقوم على الفروع.
…
وذلك لعمري أرضية خصبة وركائز متينة تمكن الحزب الشيوعي السوداني من بذر البذور وتعهد المنابت للقناعات المصادمة لفطرة المجتمع السوداني النابتة عن فسائل الاسلام فكراً أصيلاً وقناعات تؤطر الوجدان وتوجه السلوك على هدى الشرع شعائرا ومُثل اجتماعية وعادات وتقاليد…
adilassoom@gmail.com
لماذا راهن الشيوعيون السودانيون على محمود محمدطه وفكره الجمهوري عادل عسوم
