بقلوبٍ مكلومة يعتصرها الألم، وعيونٍ غمرتها الدموع، وصدورٍ خنقتها الحسرة، ننعى إلى جموع الاهل بولاية القضارف ، وإلى الأهل بقرية أم شجرة والإدارات الأهلية، وإلى قيادة وأعضاء الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وإلى كل محبٍّ لهذا الوطن العظيم، قامةً من قامات السودان الشامخة، وعَلَمًا من أعلام الحكمة والمروءة، ووجهًا من وجوه النقاء الوطني، الشيخ الجليل (محجوب حسن دكين)، رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ولاية القضارف، ووزير التربية والتعليم الأسبق، وأحد أعيان ورموز الإدارة الأهلية، الذي ترجل عن صهوة الحياة بعد سيرةٍ عطرةٍ غنية بالعطاء، مفعمة بالوفاء، موشّحة بمواقف الرجولة والشهامة والخلق الرفيع.
لقد كان فقيد الوطن من أولئك الرجال الذين تتقاصر الكلمات عن وصفهم، وتخشع العبارات أمام سموّهم، فكان مثال الحِلمِ إذا احتدم الخلاف، وصوت العقل إذا ضلّت البوصلة، وجسر الوصل حين ساد الشقاق. عُرف بثبات الموقف، ونقاء السريرة، وعفة اليد واللسان، فكان ملاذًا للحائرين، ومرجعًا في النوازل، وصوتًا للوطن حين سكتت الأصوات وتبعثرت الرايات.
كان، رحمه الله، من الرعيل الأصيل في البيت الاتحادي، صادق الانتماء، قويّ العزيمة، حمل راية لمّ الشمل، وسعى جاهدًا، بوجدان الوفيّ ونقاء العاشق، إلى وحدة الصف الاتحادي، مجتهدًا في رأب الصدع، غارسًا بذور الأمل في صحراء الخلاف، مؤمنًا أن الاتحادي لا يكون اتحاديًا إلا إذا اتسع قلبه للجميع، وتسامى فوق الذات والظرف.
ولم يكن الشباب بعيدين عن قلبه، بل كانوا في صدارة اهتمامه، أنصت إليهم لا متفضّلاً بل محبًّا، وساندهم لا وصيًا بل مؤمنًا بأن نهضة الحزب لن تتحقق إلا بعزيمتهم، ولا روح فيه إلا بحماسهم المتقد. كان لهم معلمًا، ومرشدًا، وأبًا عطوفًا، لا يغلق الأبواب، ولا يستهين بالأحلام.
وفي وزارة التربية والتعليم، لم يكن صاحب منصب فحسب، بل كان صاحب رسالة، ارتقى بمقام التربية، وأعلى من شأن العلم، فآمن بأن بناء الأوطان يبدأ من بناء الإنسان، وغرس في سطور المناهج وفي عقول الناشئة قِيم الوطنية والاستقامة والاعتزاز بالهوية.
يا شيخ العرب، يا من كنت قبلة العقلاء، وسُرُج الليالي المظلمة، ومجسّد الحكمة حين تتوارى، إن رحيلك خسارة وطن، وانطفاء شعلةٍ كانت تهدي في عتمة المسير، وغروب شمسٍ أشرقت على الأمل والوفاء.
إننا إذ ننعاه اليوم، فإننا لا نرثي جسدًا قد فني، بل نرثي رجولةً أبت الانحناء، ووطنيةً عصيّة على التزحزح، وموقفًا ثابتًا في زمن المتغيرات.
وبكل مشاعر العزاء الصادق، نتوجّه بخالص المواساة إلى مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، ونجله السيد جعفر الميرغني، وإلى قيادات الحزب وأعضائه، وإلى أسرته الكريمة، وإخوانه وأبنائه وذويه، وإلى سائر أبناء الشعب السوداني، سائلين الله تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يُسكنه فراديس الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
رحلتَ وما رحلتَ عن القلوبِ
فذكراكَ الضياءُ بكلّ صوبِ
إذا غابت نجومُ الليلِ يومًا
فأنت البدرُ في زمنِ المغيبِ