35.4 C
Khartoum
الإثنين, سبتمبر 15, 2025

المدير الذى إستقبل الغضب بابتسامة…. ✍️ خليفة جعفرعلى ـ القضارف

إقرأ ايضا

المدير الذى إستقبل الغضب بابتسامة….

✍️ خليفة جعفرعلى ـ القضارف

كنت قد ذكرتُ في مقالي السابق ــ وإن جاء قاسياً في عباراته غليظاً في أحكامه ــ أنّ مدير شركة الكهرباء رجلٌ خلوقٌ ومهذّب. غير أنّ زيارتي له اليوم، مع نفرٍ من المواطنين المثقلين بالمظالم، قد كشفت لنا عن معدنٍ أصيل، وخلقٍ رفيع، وسعة صدرٍ لا يملكها إلا الكبار من الرجال.

دخلنا مكتبه ونحن مشحونون بالغضب، متأجّجون بالحنق من طول الانقطاع وما جرّه علينا من معاناةٍ في لهيب الحر ولسع البعوض، فإذا بالمهندس القدير عمار، بعقله الراجح وخبرته الإدارية التراكمية، يستقبلنا بهدوءٍ عظيم، فيمتصّ غضبنا كما تمتصّ الأرضُ العطشى ماء السماء، ثم يُبدّل احتقاننا إلى طمأنينة، ويحوّل سخطنا إلى ثقة. أوضح لنا أن المعالجات قد بدأت منذ يوم الأمس، وأنّ الجهود لا تنقطع لإزالة العطل حتى تُعاد الخدمة كما ينبغي، فخرجنا من عنده وقد تبدّل حالنا؛ رضينا كلّ الرضاء، وازددنا له تقديراً وإجلالاً. بل وجدنا أنفسنا أسرى لمحبته، أمام قائدٍ شابّ يزاوج بين التهذيب والمهنية، بين الحكمة والحزم، بين وضوح الرؤية وسرعة الاستجابة.

وفي أثناء اللقاء، طرحنا تساؤلاتنا عن غياب ثلّةٍ من المهندسين النابهين الذين نشهد لهم بالسمعة العطرة والكفاءة النادرة، والذين صمدوا معنا في أحلك الظروف وأقساها، فإذا بنا نفاجأ بهجرتهم إلى المملكة العربية السعودية. إنّ خسارتهم تمثل خصماً فادحاً على المؤسسة والوطن، غير أننا لا نملك لهم إلا الدعاء بحياةٍ عملية كريمة ومستقبلٍ زاهر. وعلى الجانب الآخر، نُكبرُ في المهندس المفوّه عمار ورفاقه ثباتهم وصمودهم، إذ آثروا البقاء في أرضهم، وصمدوا في وجه التحديات الجسام، كأنهم قادة الجيش الأزرق الذين حموا ضفاف الوطن ذات يوم، لا يلينون عند الشدائد، ولا يتراجعون أمام المحن.

إنّ المهندس القيادي عمار ليس مجرد مدير لشركة الكهرباء، بل هو عنوانٌ لجيلٍ جديد من القيادات التي يحتاجها السودان في هذه اللحظة التاريخية الحرجة. جيلٌ يتقن فن الإدارة كما يتقن فن الاستماع، يجمع بين النزاهة والمهنية، وبين الجرأة والكياسة. ولئن جرت العادة أن يرفع المنصب مقام صاحبه، فإنّ عمار هو من يرفع المقام بالمنصب، حتى ليحق لنا أن نقول إنّه أهلٌ ليتقلّد وزارة الكهرباء، بما يمتلكه من علمٍ وخبرة، وما يتحلّى به من صفاتٍ قياديةٍ نادرة.

غير أنّنا، ونحن نخطّ هذه السطور، نخشى من الأيام المقبلة أن تضع هذا الاسم العظيم، المهندس عمار، في قائمة العظماء من الطيور المهاجرة، التي اضطرتها الظروف إلى الرحيل بحثاً عن فضاءٍ أرحب وفرصٍ أوسع. وذلك ما لا نرجوه ولا نتمناه.

إنّ وطننا الجريح، في هذه المرحلة الحالكة، أحوج ما يكون إلى رجالٍ كالمهندس القدير عمار؛ رجالٍ يُطفئون الغضب بالحكمة، ويزرعون الثقة في القلوب، ويحوّلون الشكوى إلى أملٍ في التغيير والإصلاح.

فشكرًا لك أيها الأخ الكريم، المهندس القيادي عمار عبدالله، رمز الصمود، وامتداد سيرة قادة الجيش الأزرق الذين خلّدوا أسماءهم في سفر التاريخ.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة