هناك رجالٌ لا يمضي بهم الزمن، بل يمضي الزمن بهم، فيكتبون على صفحاته سطوراً من نور، ويتركون خلفهم آثاراً أعمق من أن تمحوها الأيام. من هؤلاء القامات التي تعانق السماء وتضيء دروب الوطن، يبرز اسم الدكتور المهندس المستشار علي قدوم الغالي، رجلٌ يشبه الأوطان في سعة عطائه، ويشبه النيل في كرمه وتدفقه، ويشبه القضارف في نقائها وخصبها.
أن تدخل مكتبه، كأنك تدخل إلى رحاب وطنٍ صغير؛ يفتح لك أبوابه بابتسامة كفجرٍ جديد، ويستقبلك بحفاوة كالأرض حين تعانق المطر، لا يسألك من تكون، بل يحتفي بك لأنك إنسان، وهذه قمة الخلق النبيل الذي يجعله قريباً من القلوب، عزيزاً في العيون.
هو من الذين صنعوا للتاريخ محطات لا تُنسى؛ فمنذ أن كان من مؤسسي المشروع السوداني الكندي الزراعى الممول من الوكالة الكنديه للتنمية الدولية ، حمله على كتفيه، فارتقى به إلى آفاق جديدة من الآليات والتقانة، حتى غدا المشروع في عهده كحديقة خضراء تفيض بالحياة، شاهداً على عبقرية القيادة وحكمة الإدارة.
ثم انتقل إلى شركة القضارف سنتر، التي صارت اليوم (C.T.C)، فغرس فيها من فكره وروحه ما جعلها صرحاً عمرانياً شاهقاً عند مدخل المدينة، لا كالأبنية العادية، بل كحارسٍ نبيلٍ يرحب بالزائرين ويشهد على همّة رجلٍ حوّل الفكرة إلى واقع، والخيال إلى حجارة وزجاج ومخازن وورشٍ تضج بالحياة.
ولأن رسالته لم تتوقف عند حدود الإدارة، فقد حمل مشعل العلم أستاذاً بكلية الهندسة في جامعة الخرطوم و جامعة القضارف، يزرع في عقول طلابه بذور المعرفة، وفي قلوبهم قيم التفاني والانتماء. ثم ارتحل إلى جنوب كردفان وزيراً للزراعة و الموارد الطبيعية و نائبا للوالي حينها مولانا احمد هرون ، ومنها إلى رحاب الوطن كله وكيلاً لوزارة الزراعة و الغابات الاتحادية، يحمل همّ الأرض والزرع والناس، مؤمناً أن الزراعة ليست مجرد مهنة، بل حياة، وركيزة للأوطان.
الدكتور المهندس المستشار علي قدوم الغالي ليس اسماً يمر مرور العابرين، بل هو شجرة راسخة الجذور، باسقة الفروع، يستظل بها الناس في هجير الأيام، ويقطفون من ثمارها في مواسم الشدة. هو رجلٌ يشبه الوطن حين يبتسم رغم الجراح، ويشبه القضارف حين تهب بخيرها على الجميع.
لقد توقّعناه وزيراً اتحادياً ضمن طاقم حكومة الأمل، فهو الكفاءة التي لا يختلف عليها اثنان، والسيرة الوطنية التي لا تحتاج إلى برهان. لكن بما أن ذلك لم يحدث، فإن رسالتنا واضحة وصريحة إلى والي القضارف وحكومته: لا تتركوا هذا الرصيد القيم خارج دائرة الاستفادة. فليكن الدكتور علي قدوم مستشاراً أعلى لشؤون الزراعة وهندستها، فهو الخبير الذي يملك مفاتيح النهوض بهذا القطاع، والعقل الذي خبر التربة والزرع، والرجل الذي أثبت بالتجربة أنه أهل للثقة وحامل لأمانة الوطن.
إن تجاهل هذه القامة الوطنية خسارة لا تعوّض، أما استثماره فسيكون خطوة في طريق النهضة الزراعية التي تنتظرها القضارف والسودان بأسره.