محمد عبدالله يعقوب
العلم يرفعهم والضرب ينفعهم !!
من قبل قلت أن شاعرنا الراحل محمد سعيد العباسي قد لخص العملية التعليمية والتربوية في بيت واحد بقصيدته ( يوم التعليم ) بقوله : ( وعلموا النشء علما يستبين به سبل الحياة وقبل العلم اخلاقا) ، ففي نهايات العام 2017م أباحت وزارة التربية والتعليم العام الجلد في المدارس منهجا لتأديب الجانحين من التلاميذ ، بعد أن إستقبلت من أمرها ما إستدبرت ، وعلمت أن هناك حلقة مفقودة في تربية تلاميذ الألفية الثالثة سببها غياب ( سمير) ، وهو سوط العنج المهيب وغياب ( عم الصول) منفذ الجلد في الثانويات ، ومن قبل قلنا انها حرية اكثر من اللازم تلك التي ينعم بها طلابنا في الابتدائي والمتوسط والثانوي جعلت بعضهم يدخنون السجائر ويستفون التمباك واخرون ( يشربون البنقو) وباقي المخدرات دون تدخل من ادارات المدارس فأثقلوا كاهل إدارة مكافحة المخدرات بالشرطة السودانية رغم نشاطها المشهود وضبطياتها الكثيرة والمفرحة معا ’ غير أن الكثير من (النظار) والمعلمين لا يسألون التلميذ خارج اسوار المدرسة حتى وان جلس تحت اسوارها ، فهم غير مسؤولون عنه وعن تصرفاته ، فوجد التلاميذ دعما إضافيا في سطوة أولياء امورهم علي المعلم الذي يتجرأ ويرفع سوطا على ابناءهم ، وهذا جعلهم يرتاحون لسياسة عدم المساءلة المدرسية عن السلوك المشين خارج الاسوار .
وكانت الطامة الكبرى من وزارة التربية والتعليم الاتحادية والوزارات ذات الصلة بحكومات الولايات حين دفعت بقرارات غير مدروسة قبل سنوات طويلة قضت بعدم قانونية جلد التلاميذ في جميع المدارس ، مما عده خبراء تربيون تدخلا سافرا في مهام المعلم والذي هو بمثابة الأب لليافعين الغر ، الذين يحتاجون لقليل من التوبيخ ليحسوا بالندم على مافعلوه من تقصير في الحفظ أو عدم الإستذكار لكي يأتوا بالجواب الصحيح عما سئلوا عنه .
واذكر ونحن في بواكير صبانا بالإبتدائيات والثانوية العامة والعليا ، كنا نخاف من الجلد لذلك نقبل على الحفظ والمذاكرة ، اما آباؤنا فقد كانت كلمتهم واحدة للناظر او المدرس المسؤول عن فصلنا وهو قولهم ( لكم اللحم ولنا العظم ) بمعنى فاليجلد هذا الفتى دون ان تكسر عظامه حتى يحفظ الدرس ، ولم نسمع بولي امر تلميذ جاء شاكيا معلمه الذي عاقبه ببضع جلدات ، بل كنا نتفنن في حالة عدم الحفظ ونصنع ( الكركاسات ) او ( نردف ) رداءين وثلاث لأن الحصة تسميع ونحن لظرف ما لم نحفظ ولم تكن ( الكركاسة) تنطلي على المعلم المنفذ للجلد او الصول في المرحلة الثانوية فقد كان يعرفها لضخامة الصوت الخارج من الجسم لحظة وقع السوط عليه فيأمرك بأخراجها امام زملائك في الطابور لتظل مكسورا حتى بداية الاسبوع القادم وانت تشعر بالندم من هذه البهدلة التي كان يمكنك تجنبها في ساعة واحدة لتحفظ الآيات الكريمات او ابيات القصيدة المعنية .
وكنا نعظم المعلم ان طاف بالمدرسة لحظة الإفطار ، فإن كل مجموعة من التلاميذ يتناولون افطارهم ، يقفون لحظة مروره كالجيش تماما وأيديهم بها باقي البوش او فتة العدس وحال تجاوزه لهم فإنهم يجلسون ليكملوا افطارهم ، اما الآن فإن بعض أولياء الأمور قالوا لي إن ( المدارس انتهت ) والتعليم ( بقى كلام فاضي ) وصديقي الخير قال لي ان إبن أخته اخبره ان الاستاذ يرسلهم لان يأتوا له بالسجائر والتمباك من الدكان ، وتلميذ في السنة الثانية الثانوية يستف التمباك قلت له نحن فعلنا فعلتك هذه بعد ان تزوجنا وندمنا عليها فقال لي ( نحن الغفير بقول لينا يا اولاد العندو تمباك قوي يديني كيسو ) ، وشواهد كثيرة جعلت انعدام جلد التلاميذ لأن ينظرون الى المعلمين كأنهم عمال نفايات – مع احترامي لعمال النفايات الذين لايسألون احدا ويحملون قذاراتنا في صمت ويرحلون – وهذا الوضع جعل من بعض تلاميذ المقاعد المتأخرة في الثانوي يدخلون في مشادات مع اساتذتهم وربما يتوعدونهم في الخارج بعلقة سخنة لان فاقد الشئ لايعطيه .
فالثواب والعقاب جعل من هذه المؤسسة المتكاملة والنظيفة والقدوة في السودان متماسكة الى يوم الدين وهي القوات المسلحة السودانية اذ ليس فيها (معليش ، أو دي اخر مرة أو المرة دي سامحوه ) واخشى من سياسة الدلع المنتهجة الآن ان تخرج من مدارسنا ثلة من شذاذ الافاق لايحترمون أي قانون ، سماويا كان ام أرضيا ، عليه اجلدوهم حتى يعرفوا أن الله حق ، فإن ( الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم ) كما كان يقول استاذنا في الثانوية العامة البروفيسور محمد أحمد الشامي سدد الله خطاه أينما حل .
خروج أول
هناك بعض تلاميذ الصف الثامن لا يستطيعون أن يكتبوا سطرا واحدا دون أخطاء إملائية مريعة ، بل هناك من لا يستطيع أن يقرأ توبيخا تكتبه له عن نفسه ويظل يتهجأ الحروف دون أن يخرج بشئ .. فإدرك مدارس ومراكز أطراف ولاية الخرطوم يا سعادة وزير التربية والتعليم القادم ، حتى لاتصبح لغة جدنا بعانخي الهيروغلوفية هي اللغة الرسمية لجمهورية السودان في العام 2030م .
خروج أخير
الفريق مالك عقار يدري ما يقول تماما ، هذا الرجل يملك عقلا راجحا ووطنية لا تتزعزع وتابعوا مقدمات الأحداث ۔