38 C
Khartoum
السبت, يونيو 7, 2025

غابة الكرو الحجرية تستغيث؛ فهل من مغيث؟

إقرأ ايضا

تقرير : دكتور عبدالله إدريس عبدالله

لا يختلف اي اثنان من اصاحب البصر والبصيرة على أن الحرب التي اشعلتها مليشيا الدعم السريع المحلولة منذ يوم 15 أبريل 2023م وحتى الآن فى أصقاع السودان المختلفة، تستهدف أول ما تستهدف تهجير السكان الآمنين بغرض إبدالهم بآخرين. وحتى يتم ذلك، فهناك ثلاثة محاور تدور فيها هذه الحرب؛ المحور الأول يستهدف تدمير كل الآثار والمتاحف وما تحتوي من آثار ووثائق تؤصِّل لسكان البلاد الحقيقيين، أما المحور الثاني فهو يستهدف تهجير المواطنين الآمنين وذلك من خلال البطش بهم وترويعهم كما يحدث الآن، أما المحور الثالث فهو السعي لتدمير السجل المدني الذي يحوي أكثر من مائة وعشرين مليون سجل والذي يتضمن أرشيف الجنسية وشهادات السكان الأصليين منذ العام 1901م كما حدث في الأيام الأولى لهذه الحرب من تدمير وخراب ممنهج لمراكز خدمات الجمهور.

لكن هناك محور رابع لهذه الحرب وهو أعظمها أثراً وأكبرها خطراً، ولا تبعد ساحة معركته سوا 200 كيلومتر شمال الخرطوم، وتحديداً على بعد اثنين كيلومتر فقط من قرية الكرو حيث توجد الغابة الحجرية، حيث التقى مراسل ( سونا) الأستاذ سيف الدين محمد السيد صالح ؛ والذي يعد احد ابناء الولاية المهتمين بالآثار وقضايا البيئة بالولاية الشمالية، حيث انه لم يخفي تبرمة وامتعاضه الشديد من ما آل إليه حال الغابة الحجرية، مقارنة بآخر زيارة قام بها للمنطقة، وقال “لقد تعرضت هذه الغابة إلى حرب شعواء دون شك، فقد كانت هذه الأشجار المتحجرة بسيقانها الطويلة التى تتجاوز الخمسة عشر متراً وفروعها المتشابكة وبثمارها المتناثرة على وجه الأرض والتي كان بكل سهولة تمييز ثمار الليمون من الجوافة، كانت تمثل لوحة صخرية تكاد تنبض بالحياة”. ويستطرد الأستاذ سيف الدين محمد السيد صالح وهو يضرب كفاً بكف ويقول “دون شك لقد تعرضت هذه الغابة للإهمال و السرقة وكانت النتيجة أن عدد الأشجار المكتملة الآن يعد على أصابع اليد الواحدة، بعد أن كانت تغطي عدة كيلومترات”.

وقال في افادة لمراسل ( سونا) ” أن هذه الغابة بما تحوي من نباتات متحجرة تعتبر ثروة قومية ذات مردود اقتصادي وعلمي إذا أُحسن استخدامها وبمجهود بسيط”.

ويعود تاريخ هذه الغابة وفقاً لروايات غير مؤكدة إلى نحو 130مليون سنة.

وقد تم اكتشافها في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وقد كانت تغطي في ذلك الوقت مساحة نحو 61 فداناً، وقد ظهرت نتيجة للرياح التي جرفت الرمال التي كانت تغطيها، فتقاطرت الوفود لزيارتها من كل حدب وصوب، و دون شك معهم جحافل اللصوص والجهلة أنصاف المتعلمين الذين لا يقدرون القيمة العلمية والبحثية لتلك المستحثات.

فيما طالب دكتور علي عثمان جنقال، الأمين العام للمهن التربوية والتعليمية بوزارة التربية والتعليم الاتحادية والذي كان على رئاسة وفد لطلاب مدرسة الحجير قبلي الزائر للغابة الحجرية وآثار منطقة الكرو، طالب بضرورة الاهتمام بالغابة الحجرية وجعلها قبلة للطلاب. وقال دكتور علي “إن مثل هذه الزيارات يعتبر من النشاطات اللا صفية للطلاب والتي تعمل على زيادة معرفتهم بتاريخ بلادهم وسيرة أجداهم العظماء”. وأضاف الأمين العام للمهن التربوية والتعليمية أن زيارة تلك الأماكن تمثل دفعة معنوية وترويحاً نفسياً كبيراً للطلاب خاصة أنهم مقبلون على امتحانات الشهادة الابتدائية

(طلاب الصف السادس) في ظل رهبة من الامتحانات أو بسبب الويلات والمآسي التى تعرض لها عدد مقدر من الطلاب النازحين من مناطق الحرب إلى الولاية الشمالية التي مثلت لهم ملاذاً آمناً.

لكن في نفس الوقت وصف دكتور جنقال الموقع الأثري بأنه غير مؤهل ليستقبل رحلات الطلاب، ناهيك عن استقبال أو جذب سياح أجانب لعدم توفر البنيات التحتية التي يحتاج لها الزائر، داعياً الجهات المختصة لضرورة الاهتمام بالغابة الحجرية.

من جانبه؛ أكد مفتش الآثار والكشف الأثري بالهيئة القومية للآثار الاتحادية الأستاذ ياسين إبراهيم سيد أحمد، أن الهيئة تعتبر فقط مسؤولة مسئولية مباشرة ( فنياً أو إدارياً) عن كل الآثار بمنطقة الكرو، لكنها ليس لها أي علاقة بالغابة الحجرية رغم قربها الجغرافي من المنطقة الأثرية بالكرو.

وعلل ذلك بأن الغابة الحجرية تصنف ضمن علم البنتولوجي الذي يهتم بدراسة بقايا المتعضيات المتحجرة (المستحاثات) والتي عاشت في الماضي البعيد تاركة وراءها بقايا قليلة من جسمها أو علامات وآثاراً تدل على نشاطها ضمن الطبقات الرسوبية القديمة.

واستناداً على ذلك التعريف قال مفتش الآثار “يمكن أن تكون أقرب جهة علمية مؤهلة لإدارة الغابة الحجرية والمحافظة عليها هي الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية”.

وحذر ياسين إبراهيم من أن يظنَّ أحد من الناس أن تلك الأشجار الضخمة مجرد صخور حجرية تناثرت فوق الكثبان الرملية بغير هدى، بل هي ببساطة كنز أثري لا يُقدّر بثمن، وإحدى الظواهر الطبيعية النادرة في التراث الإنساني العالمي؛ ويعتقد أنها تحمل حقائق وأسراراً تاريخية مذهلة.

مع الأخذ في الاعتبار أن هناك عدداً من الدراسات أجريت على الغابة الحجرية ورغم قلتها الا انها أثبتت وجود تطابق بين أنواع الأشجار والنباتات المتحجرة الموجوده بها مع تلك الأشجار و النباتات التى تنموا حاليا في غابات الأمازون بأمريكا الجنوبية.

والجدير بالذكر أنه توجد هناك غابة حجرية ثانية بالقرب من مدينة وادي حلفا في أقصى شمال البلاد في مساحة 4.500 فدان؛ أي إن مساحتها اكثر من 400 كيلومترمربع. فيما توجد غابة ثالثة، لكن في جمهورية الصين الشعبية.

وعاد الأستاذ سيف الدين محمد السيد صالح المهتم بقضايا البيئة والاثار للتأكيد على أن نظرية المؤامرة و وجود حرب خفية من أجل زوال الغابة الحجرية قائمة وبقوة، وما لم تتحرك الجهات الرسمية، سواء أكانت حكومية أم منظمة طوعية، للعمل على إنقاذ ما تبقى من الغابة الحجرية، فانها لا محال الي زوال تام.

واصاف إنه يأمل أن ياتي عاجلاً اليوم الذي يتم فيه إنشاء كلية خاصة بعلم المستحاثات (البنتولوجي) بموقع الغابة الحجرية بالاستفادة من التجربة الصينية في هذا المجال، خاصة في ظل وجود الغابة المتحجرة التي تعتبر حجر الزاوية لقيام ونجاح مثل هذه الكلية.

لكن يظل النجاح الأكبر هو انتصار الجيش السوداني في معركة الكرامة التي يخوضها دفاعاً عن التاريخ والارض والعرض وقبل ذلك عن الهوية السودانية المتاصلة في فؤاد كل مواطن ومواطنة ؛ لهذا البلد المعطاء.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة