جاء في كتاب (نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب) وفي قصة نبي الله صالح عليه السلام : “إن الله بعثه إلى ثمود، وهو منهم في حال أنه غلام، وعلى فترة بينه وبين هود المبعوث إلى عاد، وتلك الفترة نحو مائة سنة. فقال له زعيمهم: إن كنت صادقاً فأظهر لنا من هذه الصخرة ناقة (على صفة كذا). فإستغاث بربه فتحركت الصخرة وبدأ منها أنين وحنين، ثم تمخضت وانصدعت عن ناقة وتلاها فصيل( حاشي) ، فأمعنا في رعي الكلأ وطلب الماء”. وكانوا يحلبون منها ما يشربون بأجمعهم إلا أنها كانت تقاسمهم في الكلأ والماء، وكان لها يوم ولهم يوم، إلى أن قتلها قدار مع تسعة رهط ، وهم الذين ذكرهم الله. فحل بهم العذاب، وخرج صالح عنهم إلى البيت الحرام. وقيل: إنه خرج مع من آمن معه “فنزلوا الرملة من فلسطين، وأتاهم العذاب يوم الأحد”. وكان الملك جندع قد آمن به حين أخرج الناقة من الصخرة. وقال البيهقي : وضربت العرب المثل بقدار في الشؤم، فقالوا: “أشأم من قدار”، وقالوا: “أشأم من عاقر الناقة”، وكان أشقر أزرق. وقد قيل: إن صالحاً أقام بمكة حتى مات بها، وفيها قبره . ومن تاريخ الطبري: كان في القرية ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون. فلما ولد قدار الأشقر الأزرق كان تاسعهم، وكان عقر الناقة على يديه. وصعد فصيلها ربوة ورغا إلى السماء، فنزل بهم العذاب بعد ثلاثة أيام وقال: “إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله عنهم حين أتى على قرية ثمود: “لا يدخلن أحد منكم القرية، ولا تشربوا من مائهم”، وأراهم مرتقى الفصيل .”
وقال الطبري: “وأما أهل التوراة فيزعمون أن لا ذكر لعاد أو لثمود ولا لهود ولا لصالح في التوراة. وأمرهم مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام .” وقال الطبري: “لما عقروا الناقة أتاهم العذاب في يوم الرابع، وقد أصبحت وجوههم سوداً، وكان ذلك علامة لهم عليه كما أنذرهم صالح، فاستعدوا للبلاء، وتحنطوا بالصبر والمقر، وتكفنوا بالجلود والأنطاع إلى أن أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شيء في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم، وأصبحوا في ديارهم جاثمين”
وذكر الجوزي أنه لم يكن بين نوح وإبراهيم رسول غير هود وصالح وهما من العرب. وليس لثمود تجوال في أقطار الأرض كما كان لعاد والعمالقة؛ غير أن السهيلي قد ذكر في كتاب الأعلام “أنه كان بعدن من أرض اليمن أمة من بقايا ثمود، وكان لهم ملك حسن السيرة، فلما مات شق ذلك عليهم، وكان قد اطلى بدهن لما جاءه الموت على عادتهم؛ لتبقى صورته ولا تتغير، فاغتنمها الشيطان منهم، وخاطبهم أنه لم يمت ولكنه تماوى ليرى صنيعهم بعده، وأمرهم أن يضربوا حجابا بينهم وبينه ويكلمهم من ورائه، فنصبوه صنماً لا يأكل ولا يشرب، وجعلوه إلهاً لهم، والشيطان في آثناء ذلك يتكلم على لسانه، فأصفقوا على عبادته، فبعث الله لهم نبياً كان ينزل الوحي عليه في النوم دون اليقظة وهو حنظلة بن صفوان، فأعلمهم كيد الشيطان ونصحهم، وأمرهم بعبادة ربهم، فقتلوه وطرحوه في بئر، ورسوه بالحجارة. فعند ذلك حلت بهم النقمة: فأصبحوا والبئر قد غار ماؤها، وتعطل رشاؤها، فصاحوا، وضجع النساء والولدان والبهائم بالعطش حتى عمهم الموت. وهم أصاب البئر المعطلة والقصر المشيد، قصر شداد بن عاد ابن عوص بن إرم، وكان لم ير في الأرض مثله، فأقفر، وصارت الجن تسكنه”. وهما المذكوران في القرآن، وهم أصحاب الرس المذكورون في القرآن، والرسن هو البئر ، وكان مبعث هذا النبي وقتله بعد سليمان النبي عليه السلام .
يذكر ان أحد الائمة الظرفاء في الوطن العربي حاول ان يكون فقيها لبعض اصحابه فخطب فيهم بعد ان أولم لهم في بيته قائلا : أيها الناس لاتشركوا بالله عز وجل فإن الشرك لظلم عظيم ، ودونكم ثمود قوم سيدنا صالح عليه السلام ، فقد أهلكهم الله عز وجل لكفرهم به وعقرهم لناقته التي لاتساوي مائتي درهم اليوم ! فسمي ( مثمن الناقة ) !!
خروج
دخلنا مدينة دنقلا في يوم صائف من العام 2020 م ، فرحبت بنا بـ( القراصة ) واحد بوصة و( دمعة ) الدجاج ( المكربة ) وكرم أهل الشمال المنداح دوما وطيبتهم وعفويتهم الأصيلة ، لنحل ضيوفا عليهم، برفقة نفر عزيز من أهل الإبداع في مجالات الدراما والغناء والموسيقى والعرائس والإكروبات والفنون الشعبية ،
وفي سياحة تاريخية في هذه الولاية الرقم نقف على مشارف حاضرتها مدينة دنقلا التي ظلت عاصمة منذ تأسيسها وحتي تاريخ اليوم، وتقول المراجع التاريخية أن المماليك الفارين من مصر هرباً من بطش محمد علي باشا بعد مذبحة القلعة الشهيرة هم من اسسها ، وأسموها دنقلا الأوردي، تمييزا لها عن دنقلا العجوز والتي كانت حاضرة للممالك النوبية المسيحية، ودنقلا العجوز حالياً هي قرية صغيرة علي ضفاف النيل وقد تم تغيير اسمها من دنقلا العجوز الي الغدار وتوجد بها آثار تاريخية قديمة ,أما حاضرة الولاية دنقلا فتكتب هكذا – دنقلا الأردي – كما في الأوراق الرسمية منذ زمن الحكم التركي المصري كما موجود في محكمة دنقلا الكبيرة, واستمرت عاصمة وحاضرة للولاية حيث كان يسكنها المفتش الإنجليزي في عهد الاستعمار، وكان سكنه في السراي الحالية بمدينة دنقلا – تم تحويلها الي مدرسة ثانوية للبنات – ومكتبه في مبني الولاية الحالي علي ضفاف النيل، وما زالت في المدينة مقابرهم في مكان مخصص الي اليوم جوار مجمع المحاكم بالقرب من مقابر المسلمين (مقابر حاج منصور) بدنقلا العرضي، والاردي كلمة ليست عربية وليست نوبية ومعناها المعسكر أو الحامية, وقد تكون كلمة تركية – بحسب المؤرخين .
وتتكون الولاية الشمالية من محليات القولد ، البرقيق ، دنقلا ، حلفا ، دلقو ، مروي ومحلية الدبة ويقول التاريخ أن من مدن الولاية التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري مدينة ( كرمة ) ويعتقد بعض الباحثين السويسريين أنها من أول التجمعات البشرية في التاريخ، وكانت من أهم عواصم الممالك النوبية القديمة. افتتح بها متحف كرمة للحضارة النوبية في 19 يناير 2008. الجدير بالذكر ان البروفيسور شارلس بونيه السويسرى الجنسية والمتخصص في التاريخ والحضارات القديمة والمقيم بالمنطقة منذ اربعين عاما هو المشرف على المتحف ، ومروى من المدن التاريخية التي يعود عهدها إلى الحضارة النوبية القديمة، ومحاطة بالاثار التاريخية الهامة والمتنوعة بين الحضارة ومن أهم المناطق الأثرية، جبل البركل ونورى والكرو ، بجانب عبري ووادي حلفا ودنقلا ولكننا لن نغفل جزيرة صاي التي تغنى لها شاعرها الماركسي الراحل جيلي عبدالرحمن بقصيدته التي حفظناها عن ظهر قلب في المدارس الإبتدائية ( هجرة إلى صاي ) إذ يقول :
وقفنا على الشط والذكريات بقلب المعذب والشاعر
وقبلن أمي في وجهها ولوحن للمركب الزاخر
وعمي يبلل رأسي الصغير بريق الفم اللاهث الفاتر
ولحيته شوكت وجنتي وداعب شاربه ناظري
وقال وفي مقلتيه دموع نزلن غذارا على خده
وفي قلبه امنيات حيارى يناجي بها الليل في مهده
بنى اذا ما وصلت بخير واعطاكم الله من عنده
فقل لابيك تذكر أخاك .. تذكره دوماً على بعده
سفر القوافي .. محمد عبدالله يعقوب :( مثمن الناقة ) و( دنقلا ) فاتنة القراصة بالدمعة !!
