.في ظل تصاعد التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها العاصمة السودانية، أعلنت حكومة ولاية الخرطوم عن حملة مكثفة تستهدف استعادة السيطرة على شارع الستين، أحد أكثر المناطق تأثراً بالأنشطة العشوائية والانفلات الأمني. جاء هذا القرار بعد جولة ميدانية قادها والي الولاية، أحمد عثمان حمزة، كشفت عن تفشي ظواهر سلبية تهدد استقرار المنطقة وسلامة سكانها.
.شارع الستين: من مركز تجاري إلى بؤرة للفوضى:-
تحول شارع الستين، الذي كان في السابق أحد أهم الشوارع التجارية في شرق الخرطوم، إلى نموذج صارخ للانفلات الأمني والتعديات العشوائية. خلال الجولة الميدانية، رصد الوالي انتشاراً واسعاً للباعة الجائلين، والأنشطة التجارية غير المرخصة، بالإضافة إلى استخدام المنطقة كملاذ لمجموعات إجرامية. وفقاً لتقارير أمنية محلية، أصبح الشارع نقطة ساخنة لجرائم السرقة والاحتيال، بل وتم توثيق استخدام بعض المنازل كقواعد لنشر الشائعات عبر منصات إعلامية غير رسمية.
.الخطة الأمنية: بين الإزالة والتوعية:-
أكد والي الخرطوم أن الحملة لا تقتصر على الإزالة الجسدية للمتجاوزين، بل تشمل أيضاً إجراءات طويلة الأمد لضمان عدم عودة الفوضى. من بين هذه الإجراءات:
.تعزيز الوجود الأمني عبر نشر وحدات شرطية متخصصة.
.حظر تجول جزئي للدراجات النارية، التي تشكل وسيلة رئيسية لتنفيذ الجرائم في المنطقة.
.إشراك المجتمع المحلي في الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، باعتبارهم “شركاء في العملية الأمنية”، وفقاً لتعبير الوالي.
كما أشارت مصادر حكومية إلى أن الحملة ستستهدف أيضاً الأسباب الجذرية للفوضى، مثل البطالة وغياب البدائل الاقتصادية للسكان، عبر توفير فرص عمل مؤقتة ضمن مشاريع البنية التحتية التي تعيد تأهيل الشارع.
.مصادر الفوضى: بين الواقع والإشاعات:-
كشفت الجولة عن جانب مقلق يتمثل في استخدام تقنيات التواصل الحديثة لزعزعة الاستقرار. فقد تم ضبط أجهزة حاسوب ومعدات بث داخل منازل مدنية، يُشتبه في استخدامها لنشر معلومات مضللة. هذا الأمر يسلط الضوء على تحول جديد في أدوات التفلت الأمني، حيث لم تعد المشكلة تقتصر على الأنشطة المرئية، بل امتدت إلى الحرب الإلكترونية. خبراء أمنيون، مثل الدكتور عمر الشيخ من مركز الخرطوم للدراسات الاستراتيجية، يرون أن “التقنيات الرقمية أصبحت سلاحاً ذا حدين؛ فبينما تساعد في تعزيز الشفافية، يمكن تحويلها إلى أدوات تخريب إذا وُظفت خارج الأطر القانونية”.
.التحديات الخفية: البنية التحتية والذاكرة الجمعية:-
على الرغم من تركيز الحملة على الجانب الأمني، إلا أن المشكلة تتجاوز ذلك إلى أزمات متراكمة. فوفقاً لتقرير صادر عن منظمة “مدن بلا فوضي” (2024)، تعاني مناطق مثل شارع الستين من:
.تدهور شبكات الكهرباء والمياه، مما يزيد من صعوبة مراقبتها.
.غياب التخطيط العمراني، الذي يحول دون توفير مساحات منظمة للأنشطة التجارية الصغيرة.
هذه العوامل تجعل أي حلول أمنية قصيرة الأجل غير كافية ما لم تُرفق باستثمارات في البنية التحتية وتوعية المجتمع.
.الكهرباء كرمز للاستقرار:-
في إشارة إلى أهمية استعادة الخدمات الأساسية، أشاد الوالي بجهود العاملين في قطاع الكهرباء لإعادة التيار إلى الأحياء المتضررة بعد تعرضها للتخريب خلال الأحداث الأخيرة. هذه الخطوة ليست تقنية فحسب، بل نفسية أيضاً، إذ يعتبر السكان أن عودة الكهرباء مؤشراً على عودة الدولة بقوانينها وخدماتها.
.شارع الستين اختبار لإرادة الخرطوم:-
حملة شارع الستين ليست مجرد عملية تنظيف عشوائي، بل اختبار لقدرة الحكومة المحلية على مواجهة الفوضى بمفهومها الشامل: الأمني، الاقتصادي، وحتى الإعلامي. النجاح هنا سيعتمد على التوازن بين الحزم في تطبيق القانون، ومراعاة الأبعاد الإنسانية لأصحاب الأنشطة الصغيرة الذين وجدوا في الشارع ملاذاً اقتصادياً. كما أن تعاون المواطنين سيكون عاملاً حاسماً، لأن الأمن لا يُفرض من فوق، بل يُبنى من خلال ثقة متبادلة بين الدولة والمجتمع. في النهاية، فإن معركة الخرطوم ليست ضد باعة جائلين أو دراجات نارية، بل ضد ثقافة الفوضى التي تهدد أي فرصة للنهوض.