36.4 C
Khartoum
الأربعاء, يوليو 30, 2025

قروب النهضة.. جهد مجتمعي يبعث الأمل في الحارة الثالثة بالجريف غرب:- قلم وطني بقلم: خالد المصطفى إعلام لواء الردع

إقرأ ايضا

.في قلب تحديات الحياة اليومية التي تواجه العديد من الأحياء السودانية، تبرز تجربة فريدة ومشرقة من الحارة الثالثة بالجريف غرب فريق الحاح. هناك، تتلاقى المبادرات المجتمعية مع الوعي المجتمعي، لتخلق نموذجًا حيويًا للتنمية المحلية يقوده أبناء الحي أنفسهم. هذا النموذج لا يقوم على الدعم الخارجي أو المشاريع المؤقتة، بل ينبع من إرادة شعبية تهدف لإعادة ترتيب الأولويات وتحقيق واقع أكثر كرامة وعدالة، خاصة في زمن تتزايد فيه الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.

شباب نهضة الحارة الثالثة فريق الحاج.. الجذور التي أنبتت الأمل:-
يقف ” شباب نهضة الحارة الثالثة فريق الحاج ” في قلب هذه التجربة كرمز للتماسك والتكافل المجتمعي. هذا الشباب الذين قاموا بعمل قروبات تواصل اجتماعية، هذا للتنسيق تطور ليصبح كيانًا منظمًا وشاملًا يعبر عن ضمير الحارة الثالثة. أعضاء من الشباب، من مختلف الأعمار والخلفيات، يتشاركون هاجس النهوض بالحي ويعملون بشكل تطوعي لتقديم حلول عملية لمشكلات مزمنة مثل تراكم النفايات، ضعف الإنارة، وقلة الوعي الصحي. وقد أثنى العديد من السكان الحي على مبادرات هؤلاء الشباب، واصفين إياهم بأنهم “اليد البيضاء التي تمتد في الظلام”، لما له من تأثير مباشر على تفاصيل الحياة اليومية.

تم توزيع الشباب على حسب التخصص.. لخلق منهجية التنظيم وفعالية الأداء:-
أدرك الشباب منذ وقت مبكر أن النجاح في العمل المجتمعي لا يكون بالعشوائية، بل عبر التخصص والتخطيط. لهذا أنشأوا مجموعات فرعية لكل محور من محاور الخدمات. مجموعة الإضاءة تعمل على إنارة الشوارع الضيقة لتأمين الحركة ليلًا، مجموعة النظافة تنفذ حملات دورية تشمل جمع النفايات وتوعية السكان، مجموعة الصحة تنظم أيامًا طبية وتوفر الإسعافات الأولية، أما محموعة الأمن فتهدف إلى تعزيز الشعور بالأمان من خلال التعاون مع الجهات المختصة ومراقبة الحي ليلًا. هذا التنظيم أسهم في رفع كفاءة العمل، وجعل شباب الحارة الثالثة أكثر مرونة في التعامل مع التحديات المتعددة.

.قروب جسر رحيق الأمكنة.. دفء الروح في زمن الاغتراب:-
إلى جانب المجهودات الميدانية، نشأت مبادرة “جسر رحيق الأمكنة” لتكمل لوحة النهضة من زاوية إنسانية وعاطفية. هذه المبادرة تهدف إلى ربط المغتربين والنازحين بأحيائهم وذكرياتهم من خلال التوثيق البصري لمظاهر الحياة في الحارة الثالثة، ومشاركتها معهم عبر وسائل التواصل في قروب يضم كل الحي في منصة واحدي. في كثير من الحالات، كان لتلك الصور والفيديوهات أثر بالغ في نفوس من ابتعدوا قسرًا عن ديارهم. مبادرات مثل تصوير منزل متهدم أو بث مباشر من زقاق قديم، تثير في النفس مشاعر مختلطة من الحنين والفرح، وتعيد ترميم العلاقة الوجدانية بالحي، ولو من خلف الشاشات.

.تكامل الوظائف.. عندما تلتقي العاطفة بالواقع:-
النجاح الأبرز لهذه التجربة يكمن في انسجام الدورين: العمل التنموي على الأرض (نهضة الحي)، والدور العاطفي والوجداني (جسر رحيق الأمكنة). فكل مشروع إنارة أو نظافة ينجز، يعزز من صورة الحي في أعين من بالخارج، وكل بث مباشر من “الجسر” يعزز ارتباط المغترب ببلده، ويحفزه على الدعم والمساهمة. هذه العلاقة التبادلية أنتجت ديناميكية مجتمعية حية، حيث أصبح المغتربون جزءًا من النهضة رغم بعدهم الجغرافي، وهو ما أدى إلى تدفق تبرعات وأفكار ومبادرات جديدة.

.الإنجازات.. مؤشرات أمل رغم الصعوبات:-
رغم محدودية الإمكانيات، حقق الشباب الحارة الثالثة فريق الحاج العديد من النجاحات الملموسة. تم تحسين مستوى الإضاءة في عدة شوارع، تقليص تراكم النفايات بنسبة ملحوظة، إقامة شراكات صغيرة مع جمعيات محلية لتوفير إسعافات أولية، كما لوحظ تراجع نسبي في بعض السلوكيات السلبية داخل الحي بفضل حملات التوعية. أما على مستوى “جسر رحيق الأمكنة”، فقد أسهم في إعادة الاتصال بين مئات من المغتربين وأحيائهم، من خلال مشاهد توثيقية كان لها وقع عاطفي كبير، فإن مثل هذه المبادرات المجتمعية الصغيرة لها أثر كبير في تعزيز الصمود المجتمعي والحفاظ على الهوية خلال فترات النزوح والشتات.

.البعد النفسي.. المداواة بالحنين:-
يشير مختصو الصحة النفسية إلى أن فقدان الرابط بالمكان هو أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تدهور الصحة النفسية لدى النازحين والمغتربين، خاصة الأطفال وكبار السن. “جسر رحيق الأمكنة” لم يكن مجرد مشروع توثيق، بل نافذة للشفاء الروحي. قصص مؤثرة رُويت عن أشخاص بكوا عند رؤية صورة لبيتهم بعد سنوات، أو تلقوا اتصالًا أعادهم إلى حضن عاطفي افتقدوه طويلًا. كل صورة أو بث مباشر يتحول إلى جرعة أمل، تذكر الإنسان بأنه ما زال جزءًا من نسيج حي نابض.

الموارد والتحديات.. ابتكار في زمن الشح:-
ليس من السهل الاستمرار في مثل هذا العمل وسط أوضاع اقتصادية صعبة. الشباب يعتمد أساسًا على تبرعات السكان والمغتربين، مع محاولات لخلق موارد مستدامة مثل “جنيه النظافة” وقد قاموا بالتبرعات الذي وقد تم بالفعل جمع التبرعات طوعًا عبر منصة قروب نهضة الحارة الثالثة. أما الموارد البشرية فمعظمها من متطوعين، بعضهم من ذوي الخبرات، والبعض الآخر يكتسب المهارات من خلال الممارسة. ورغم ضعف البنية التحتية التقنية، يتم استغلال تطبيقات بسيطة مثل واتساب وفيسبوك لإدارة العمل ونشر المحتوى، في استغلال ذكي ومتكيف مع واقع محلي متواضع.

.دروس مستفادة.. إمكانية التعميم:-
من خلال هذه التجربة، يمكن استخلاص عدة دروس مهمة:-
. أولًا:-
لا تنمية بدون إرادة محلية.
.وثانيًا:-
التكامل بين البنية التحتية والمشاعر الإنسانية يصنع الفرق.
.ثالثًا:-
العمل التطوعي المنظم والمتخصص أفضل من الحماس العشوائي، وأخيرًا، لا ينبغي انتظار الحلول من الخارج، فالأدوات موجودة داخل المجتمع نفسه، وإن كانت بسيطة.

.خاتمة.. شجرة وهي مرسومة في شعارها النهضة وأمل العودة:-
قصة الحارة الثالثة بالجريف غرب ليست فقط قصة نجاح لمبادرة محلية، بل هي شهادة على أن المجتمع السوداني، رغم كل الصعاب، لا يزال يحتفظ بروح التعاون والقدرة على الإبداع. ” قروب نهضة الحارة الثالثة فريق الحاج” بأسلوبه التنظيمي المتطور، و” قروب جسر رحيق الأمكنة” بعمقهم الإنساني، شكلا معًا شجرة متينة الجذور، مثمرة الفروع، وارفة الظلال. إنها شجرة زرعها أبناء الحي وسقوها بعرقهم وأحلامهم، وها هي تظلل كل من ابتعد، وتمنحه سببًا جديدًا للأمل والعودة. حين تتضافر الجهود الطوعية وتتلاقى القلوب على حب المكان، يصبح التغيير حقيقة لا حلمًا، ويصبح الغد الجميل مجرد خطوة إضافية في دربٍ بدأه أناس آمنوا بقدرتهم على أن يصنعوا الفرق.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة