36.8 C
Khartoum
الأربعاء, سبتمبر 17, 2025

نداء وطن: حان وقت عودة الكفاءات لإنقاذ مؤسسات الدولة السودانية قلم وطني بقلم: خالد المصطفى إعلام لواء الردع

إقرأ ايضا

.في خضم التحولات العاصفة التي يشهدها السودان، تبرز قضية مصيرية تمس عصب استقرار الدولة ومستقبلها: مصير الكوادر الوطنية المؤهلة التي تم إقصاؤها عن مواقعها الحيوية في مؤسسات الدولة. هذه القضية ليست مجرد مسألة وظيفية تخص فئة بعينها، بل هي اختبار حقيقي لمدى جدية السودان في إعادة بناء مؤسساته واستعادة مسار التنمية المتعثر بعد الحرب. إنه نداء من صميم الوطن، تطلقه الخبرات التي استثمرت فيها الدولة طويلاً، لتصبح اليوم أداة بناء لا غنى عنها لتساعد في إعمار السودان في الفترة القادمة. إن مواجهة هذا التحدي ليست ترفاً، بل ضرورة وطنية ملحة تتطلب شجاعة في القرار وإرادة حقيقية للإصلاح البلاد .

.الأساس المتين: استثمار الدولة في الإنسان السوداني:-
.على مدى عقود، استثمرت الدولة السودانية، عبر حكومات متعاقبة، في بناء كوادرها البشرية. تشير تقارير منظمات دولية مثل البنك الدولي واليونسكو إلى توسع ملحوظ شهده السودان في التعليم العالي والتدريب المهني. أُنشئت الجامعات والمعاهد المتخصصة، وأُرسلت البعثات التعليمية، ووُظفت الخبرات الدولية لنقل المعرفة.

نتج عن هذا الاستثمار الطموح جيل من المهنيين المتميزين في قطاعات حيوية:
* مهندسون أداروا تعقيدات السدود وشبكات الكهرباء وطوروا تقنيات الري.
* أطباء وباحثون حافظوا على استمرارية الخدمات الصحية في أصعب الظروف.
* قضاة ومحامون ساهموا في صون ما تبقى من استقلال القضاء.
* ضباط أمن وشرطة اكتسبوا خبرات تراكمية في إدارة الأزمات وحفظ النظام.

هؤلاء لم يكونوا مجرد موظفين، بل كانوا الركيزة الأساسية التي حافظت على هيكل الدولة وقدمت الحد الأدنى من الخدمات للمواطن.

.الشرخ الكبير الذي حدث في ثورة ديسمبر المزعومة: كان الإقصاء المؤسسي الذي حدث كان له آثاره المدمرة:
.مع التحولات السياسية التي أعقبت عام 2019 تحت ما يسمى بالحريه والتغير، برزت سياسة مقلقة تمثلت في الإقصاء الممنهج لكوادر مؤهلة ومدربة من مواقعها القيادية والفنية. لم يقتصر هذا الإقصاء على المناصب العليا، بل امتد ليصيب قلب العمليات الفنية والخدمية، مما أدى إلى تداعيات خطيرة:

* في جهازي الشرطة والأمن: أُزيح ضباط مخضرمون يمتلكون خبرات تراكمية في مكافحة الجريمة المنظمة والاستخبارات، مما أضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
* في السلطة القضائية: أُبعد قضاة عُرفوا بالنزاهة والاستقلالية، مما فتح الباب أمام تدخلات أثرت على سير العدالة، وهو ما أشارت إليه تقارير حقوقية دولية.
* في قطاعات الخدمات الحيوية: شمل الإقصاء مهندسين وخبراء إدارة في قطاعات حساسة كالطاقة، والمياه، والري. وقد أدى ذلك، وفقاً لشهادات مهنيين وتقارير فنية، إلى تدهور صيانة البنية التحتية وتفاقم أزمات الكهرباء ومياه الشرب، وتعثر إدارة المشاريع الزراعية الكبرى.

فقدان البوصلة وتكريس المحسوبية:-
.يرى مراقبون أن عملية الإقصاء في عهد الحرية والتغير لم تكن في كثير من الأحيان مبنية على معايير الكفاءة أو الإصلاح الإداري. بل تمت تحت شعارات سياسية، بينما كانت في جوهرها تهدف لتمكين أطراف الحرية والتغير في مفاصل الدولة وبهذا النهج اوصلونا الى هذا الدرك. أُسندت الحرية والتغير مناصب حساسة لأفراد يفتقرون إلى المؤهلات والخبرة اللازمة، مما أدى إلى:-
* ان كانت الولاءات في عهد قحط وليست الكفاءات: وقد تحولت بعض المؤسسات إلى ساحات للولاءات على حساب المصلحة العامة.
* فقدان الحوكمة:-
* بعد تدمير البنية التحتية الممنهج من قبل الدعم السريع لكل الموسسات السجل المدني سجل الاراضي وايضا المؤسسات الاخرى والذي سبقها مخطط مدروس هو تدمير الموارد البشرية التي كانت لها دور كبير في تاسيس الحوكمة الذكية قبل ثورة ديسمبر المزعومة التي اقصت الكوادر البشرية وبعد الحرب غابت آليات الرقابة الفعالة.
* فقدان الخبرة المؤسسية: أدى الإقصاء إلى ضياع سنوات من المعرفة التراكمية التي لا يمكن استيرادها أو تعويضها بسهولة، وهو ما يمثل نزيفاً حقيقياً للمؤسسات.
* تفاقم الأزمات الخدمية:- كان الإقصاء عاملاً رئيسياً في التدهور شبه الكامل للخدمات الأساسية، مما دفع بالاقتصاد نحو حافة الهاوية وزاد من معاناة المواطنين.

.النداء الملح:- لماذا الآن؟
.الواقع السوداني اليوم يصرخ بأعلى صوته: لقد آن الأوان لإعادة الأمور إلى نصابها وبعد كل التشريد ونزوح الخبرات وهجرتهم. تواجه البلاد أزمات وجودية تتطلب حشد كل الطاقات الوطنية. إن إعادة الكوادر التي تم إقصاتها الحرية والتغيير ليست مجاملة، بل هي خطوة استراتيجية حتمية للأسباب التالية:-
1. إعادة بناء المؤسسات: لا يمكن إحياء مؤسسات الدولة بدون العقول والخبرات والان السودان في حوجه لهم وهي خبرات تعرف أسرار عملها وتحدياتها.
2. استعادة الثقة:- عودة الكفاءات المعروفة بالنزاهة التي احالتها حكومة قحط ستبعث برسالة قوية للمواطن بأن الدولة جادة في الإصلاح.
3. وقف نزيف العقول:- الاستمرار في عدم تقييم الكفاءات يدفع ما تبقى منها إلى الهجرة، وإعادتهم تشكل حافزاً للبقاء وخدمة الوطن.
4. كيف نرتقي بالسودان :- وذلك لا يكون الا تصحيح المسار والاصلاح السياسي والاصلاح الاقتصاد وذلك لا يتحقق برجوع جميع الكفاءات التي تم اقصائها هو جزء أساسي من أي عملية استقرار حقيقية للنظام السياسي والاقتصادي.
5. الاستفادة من الاستثمار السابق:- إقصاء من تم تأهيلهم على نفقة الدولة هو إهدار للموارد العامة. إعادتهم هي استثمار في رأس المال البشري الجاهز لبناء الوطن.

. نحو حلول عملية لاعمار البلاد: من القول إلى الفعل:-
هذا النداء الموجه إلى السيد رئيس مجلس السيادة، والسيد رئيس مجلس الوزراء، والسادة وزير الداخلية ومدير جهاز المخابرات العامة، والسلطات المعنية ، ليس مجرد مناشدة، بل هو اقتراح لمسار عمل واضح:
* تشكيل لجان محايدة ومستقلة:- لمراجعة جميع حالات الفصل والإقصاء منذ عام 2019 في عهد ثورة ديسمبر المزعومة التي نسميها بحكومة قحط وايضا الحرية والتغيير ، بناءً على معايير الكفاءة والمشروعية القانونية.
* وضع معايير واضحة للإعادة:- بناءً على احتياجات المؤسسات، وكفاءة الأفراد، وسجلهم المهني.
* إصلاح شامل للخدمة المدنية:- لترسيخ مبادئ الجدارة والكفاءة والحياد، وحماية الموظفين من التعسف.
* المصالحة الوطنية:- تتطلب هذه العملية نضجاً سياسياً واعترافاً بالأخطاء السابقة وآثارها المدمرة على الوطن.

.الخاتمة: الوطن فوق الجميع:-
يقف السودان على مفترق طرق حاسم. إن تجاهل تركة الماضي المؤلمة، خاصة فيما يتعلق بإهدار الكفاءات الوطنية، لن يقود إلا إلى مزيد من التدهور. نحن ندعو إلى مستقبل يرتكز على العدالة والكفاءة والانتماء للوطن.

. إن إعادة الكوادر المؤهلة التي فُصلت ظلماً هي أكثر من مجرد تصحيح لخطأ إداري؛ إنها إعادة بناء لثقة الشعب في دولته، واستعادة لسيادة قراره الوطني، واستثمار في أغلى ما تملكه الأمة: أبناؤها المخلصون الأكفاء. إنها خطوة لا غنى عنها لانتشال السودان من محنته، وبدء مسار حقيقي نحو الاستقرار والازدهار الذي يستحقه شعبه الصامد. الوقت لم يعد في صالحنا، بل يداهمنا. فعل الإرجاع ليس منّة، بل هو واجب وطني وضرورة وجودية لإحياء السودان.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة