29.7 C
Khartoum
الأربعاء, سبتمبر 17, 2025

العودة الصادقة لله ورسوله: جسر العبور من الانهيار إلى النهضة:- قلم وطني بقلم: خالد المصطفى اعلام لواء الردع

إقرأ ايضا

.في أعقاب تحولات “فترة الحرية والتغيير” التي شهدها السودان، برزت تداعيات عميقة هزت البنية القيمية للمجتمع. ما بدا للبعض تحرراً من قيود، تحول في الواقع إلى انفلات أخلاقي وشرخ اجتماعي خطير، جعل الدعوة إلى “العودة الطوعية الصادقة إلى الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم” ضرورة وجودية لا رفاهية فكرية. لقد أحدثت سياسات تلك الفترة شرخاً ثلاثياً: في المنظومة التعليمية عبر العبث بالمناهج، وفي النسيج الاجتماعي بإسقاط قانون النظام العام، وفي الهوية الجماعية بتهميش الثوابت الدينية. هذه العواصف المتلاحقة جعلت من العودة إلى الأصول الإسلامية – عقيدةً وأخلاقاً ومنهج حياة – هو النجاة الحقيقية للفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، والخروج الوحيد من متاهات الأزمات التي يعيشها السودان اليوم.

.المناهج بين التحديث المزعوم وطمس الهوية الإسلامية:-
شهدت فترة التغيير محاولات خطيرة لاقتحام الحصون التعليمية، حيث تم إدخال مناهج دراسية شوهت المفاهيم الإسلامية الأساسية تحت شعار “التحديث”. تقارير صادرة عن “اتحاد المعلمين السودانيين” كشفت عن حذف آيات قرآنية وأحاديث نبوية تمس العقيدة والأخلاق من كتب اللغة العربية والتربية الإسلامية، واستبدالها بنصوص تروج للنسبية الأخلاقية والفردية المطلقة. أساتذة التربية الإسلامية في جامعة أم درمان الإسلامية حذروا في دراسات ميدانية من تضمين مناهج الفلسفة مفاهيم تناقض التوحيد، مثل النظرة المادية للوجود، وتشكيك في الثوابت تحت مسمى “تنمية التفكير النقدي”. هذا التغيير لم يكن بريئاً، بل استهدف تقويض الهوية الدينية للأجيال الناشئة، وهو ما انعكس على سلوكيات الشباب وفقدان البوصلة الأخلاقية، مما يؤكد أن حماية التعليم هي حماية لجوهر الأمة.

.إسقاط قانون النظام العام: تفكيك آليات الانضباط الاجتماعي:-
كان تعطيل “قانون النظام العام” في عهد التغيير ضربة موجعة للنسيج الاجتماعي السوداني. بيانات وزارة الداخلية السودانية قبل الإلغاء تشير إلى انخفاض ملحوظ في جرائم الأخلاق والانحلال في المناطق التي طُبق فيها القانون بصرامة. لكن الإطاحة به تحت شعار “الحريات الشخصية” فتحت الباب على مصراعيه لانتشار المظاهر المنافية للآداب العامة في الشوارع والأماكن العامة، وارتفاع معدلات التحرش الجنسي بنسبة 40% حسب إحصائيات “المجلس القومي لرعاية الطفولة”. علماء الاجتماع مثل الدكتور أحمد علي الإمام من جامعة الخرطوم يرون في دراساتهم أن القانون كان درعاً واقياً للحياة الأسرية، حيث حد من الاختلاط الفاحش والعلاقات غير الشرعية التي تهدد كيان الأسرة. إزالته المفاجئة خلقت فراغاً أخلاقياً، وسرّعت من وتيرة التغريب الثقافي، وجعلت الشارع السوداني ساحة مفتوحة لصراع القيم.

.الشرخ الاجتماعي والأسري: الثمرة المُرّة لسياسات التغيير:-
تداعيات تغيير المناهج وإلغاء قانون النظام العام تجسدت في كارثة اجتماعية طالت قلب المجتمع: الأسرة السودانية. “مركز سواسية للدراسات الاجتماعية” رصد ارتفاعاً بنسبة 60% في حالات الطلاق خلال ثلاث سنوات بعد التغيير، خاصة بين الشباب، نتيجة لتراجع الوازع الديني وانتقال قيم الصراع من الشارع إلى البيت. مظاهر التمرد على الأعراف الأسرية، وضعف الوازع الديني في ضبط العلاقات بين الجنسين، وتفشي الصراع بين الأجيال حول منظومة القيم، كلها عوامل أدت إلى تفكك روابط الأسرة الممتدة التي كانت صمام أمان المجتمع. تقارير منظمات المجتمع المدني تكشف عن ارتفاع مقلق في أعداد الأحداث الجانحين وأطفال الشوارع، وهو مؤشر على انهيار البيئة التربوية المنزلية. هذا الشرخ العميق جعل المجتمع السوداني أكثر هشاشة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية.

.الحرية المنفلتة: من التحرر السياسي إلى الفوضى الأخلاقية:-
تحول شعار “الحرية” في عهد التغيير من مطلب سياسي مشروع إلى فوضى أخلاقية مُنظّمة. استغلال منصات التواصل الاجتماعي لبث الشبهات حول الثوابت الدينية، والترويج لنمط الحياة الغربية تحت مسمى “الانفتاح الثقافي”، وتشجيع العلاقات غير الشرعية عبر مسلسلات وبرامج تلفزيونية مدعومة – كلها عوامل خلقت جيلاً منفصماً عن قيمه. د. فاطمة عبد المحمود من “مركز دراسات المرأة” تؤكد في أبحاثها أن ما سمي بـ “تمكين المرأة” في تلك الفترة ركز على تحريرها من الدين لا من الظلم الاجتماعي، مما زاد من معاناتها. هذه الحرية المنفلتة، التي لم تراع الضوابط الشرعية ولا الخصوصية الثقافية، حولت السودان إلى سوق مفتوحة للغزو الثقافي، وجعلت الشباب فريسة للضياع بين هويات متصارعة.

.العودة الطوعية: الخلاص من دوامة الأزمات إلى ساحل الأمان:-
في هذا المشهد المعتم، تبرز “العودة الطوعية إلى الله ورسوله” كخريطة طريق للخلاص. هذه العودة تعني:

إعادة بناء المنظومة التعليمية على أساس العقيدة الصحيحة والأخلاق القرآنية، بحماية المناهج من الاختراق الفكري، وإبراز نموذج الدولة الإسلامية في العدل والحضارة.

إحياء قانون النظام العام بصياغة متوازنة تجمع بين حفظ الحريات الشخصية الشرعية وصيانة القيم المجتمعية، مستفيدين من دروس التجربة السابقة.

تعزيز سياسات تكافل الأسرة عبر برامج حكومية ومجتمعية تُعيد للأسرة دورها التربوي، مثل “بنك الأسرة” التكافلي الذي يدعم الزواج الشرعي ويواجه الغلاء المعيشي، ومراكز الإرشاد الأسري المستندة إلى قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2).

إنقاذ الاقتصاد عبر تطبيق المنهج الإسلامي بإحياء الزكاة النظامية، ومحاربة الربا، ودعم المشروعات الصغيرة القائمة على المبادئ الشرعية، كما نجحت “تجربة بنك فيصل الإسلامي” في خفض معدلات الفقر بنسبة 18% وفق تقارير البنك المركزي السوداني.

إصلاح الإعلام عبر خطاب قيمي يعيد إنتاج المحتوى الهادف، ويكافح البرامج الهابطة التي تدمر الأخلاق تحت شعار “التسلية”، مستلهمين تجربة “قناة طيبة” الرائدة في دمج الترفيه بالتربية.

تمكين العلماء الربانيين لقيادة التغيير الأخلاقي عبر خطب جهادية وحملات توعوية كـ”مشروع إحياء السنة” الذي نفذته رابطة علماء السودان، واستعاد عبره آلاف الشباب هويتهم الدينية.

.الخاتمة: اليقين في وعد الله طريق النهضة:-
التجربة السودانية أثبتت أن الانسلاخ عن المنهج الرباني – مهما تزين بشعارات التحرر – يقود إلى الهاوية. العودة الطوعية ليست شعاراً، بل مشروعاً عملياً يبدأ بإصلاح القلب، ويمتد لبناء المؤسسات. نجاحه يتطلب:
١. الإرادة السياسية الحقيقية لتبني مشروع إسلامي متكامل.
٢. صحوة مجتمعية تعيد للقيم مكانتها، كما جسدتها حملات “أسرة واحدة” التطوعية لإصلاح ذات البين.
٣. الوعي بسنن الله في النهوض والانهيار: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).

بهذه العودة تُستعاد هيبة الشارع، وتُحمى الأسرة، ويُبنى الاقتصاد، ويُؤسس لمجتمع التوحيد الذي وعد الله أهله بالتمكين: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (النور: 55). فالزموم شرط، والطوعية اختيار، والنجاة في اتّباع منهج مَن قال عنه ربه: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” (القلم: ٤).

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة