.خدمة الرعاية الصحية المنزلية بمستشفى الشرطة القضارف لنَقْلُ المستشفى إلى عتبات المنازل:-
قلم وطني
بقلم: خالد المصطفى
إعلام لواء الردع
. في بادرة هي الأولى من نوعها على مستوى الخدمات الطبية الأمنية بالولاية، دشّن فريق ركن / محمد أحمد حسن، والي ولاية القضارف، برنامج الرعاية الصحية المنزلية الذي ينفذه مستشفى الشرطة القضارف، وذلك بالتنسيق الكامل مع وزارة الصحة بالولاية. هذه الخدمة التي تُعتبر امتداداً عضوياً لرسالة الشرطة المجتمعية، لا تمثل مجرد إجراء روتيني، بل هي خطوة نوعية تجسد روح التكافل والمسؤولية المجتمعية، وتعكس تحولاً جوهرياً في فلسفة تقديم الخدمة الطبية، من نموذج الاستقبال داخل جدران المستشفى إلى نموذج المبادرة والتواصل المباشر مع المواطن في محيطه الآمن. وقد جاء هذا التدشين تتويجاً لجهود كبيرة ومخططّة تهدف إلى إضفاء طابع إنساني عميق على العمل الطبي، يجعل من الرعاية حقاً متاحاً للفئات الأكثر احتياجاً.
.الرؤية الطبية الجديدة من العلاج المؤسسي إلى الرعاية الشاملة:-
في تصريح خاص، أكد العميد شرطة د. هيثم الحسين عثمان، مدير مستشفى الشرطة القضارف، أن هذا البرنامج الطموح لا يأتي عن فراغ، بل هو جزء من خطة استراتيجية شاملة يعكف عليها المستشفى لتوسيع نطاق خدماته الطبية والعلاجية لتصل مباشرة إلى منازل المواطنين. وأوضح أن الفئة المستهدفة في المرحلة الأولى تشمل كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة، وذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة، والمرضى في مرحلة النقاهة ما بعد العمليات الجراحية، وغيرهم من الحالات التي يصعب عليها التنقل بشكل منتظم لتلقي الخدمات الطبية. وأضاف الدكتور هيثم أن الخدمة المُقدمة ليست مجرد زيارة عابرة، بل هي برنامج متكامل يشمل إجراء الفحوصات التشخيصية الدورية، وتقديم العلاجات الدوائية اللازمة، وتغيير الضمادات والعناية بالجروح، بالإضافة إلى الإشراف الطبي المستمر وتقديم الإرشادات الصحية والتغذوية للمريض وأفراد أسرته. ويتم تنفيذ هذا البرنامج عبر كوادر طبية مؤهلة ومدربة على أعلى مستوى، مزودة بأجهزة محمولة ومعدات طبية تمكنها من إجراء تقييم طبي دقيق في بيئة المريض المنزلية.
.الأبعاد الاستراتيجية والتنموية لتخفيف الأعباء وبناء الشراكات:-
لا تقتصر أهداف برنامج الرعاية المنزلية على الجانب الإكلينيكي فحسب، بل تمتد إلى أبعاد استراتيجية أوسع. فأولى هذه الأبعاد هي تخفيف العبء الكبير عن كاهل المريض وعائلته، من حيث التكاليف المادية والنفسية المصاحبة للتنقل والانتظار في المستشفيات. كما يسهم البرنامج بشكل مباشر في تخفيف الضغط على المرافق الصحية التقليدية، مما يزيد من كفاءتها ويحسن جودة الخدمة المقدمة للمرضى المراجعين فيها، من خلال تقليل زحمة الطوارئ والعيادات الخارجية، وتركيز الموارد على الحالات الحرجة التي تتطلب وجوداً فعلياً في المستشفى. ويؤكد مدير المستشفى أن هذه المبادرة تُعد نواة لتعزيز الشراكات البناءة مع المؤسسات الحكومية الأخرى والمؤسسات المجتمعية، في إطار التوجه العام للدولة نحو تحسين جودة الخدمات الصحية ورفع مؤشرات الصحة العامة. وهذا التعاون مع وزارة الصحة بالولاية يضمن توحيد الجهود وتجنب الازدواجية، ويؤسس لشراكة نموذجية بين القطاع الأمني والصحي لخدمة المجتمع.
.المستفيدون سوف يحكون قصص حية تعكس أثر المبادرة على الأرض:-
لم تكن مبادرة الرعاية الصحية المنزلية حبراً على ورق، بل تحولت إلى واقع ملموس شعر به مواطنو الولاية منذ اليوم الأول. فخلال الزيارات الميدانية الأولى للفرق الطبية، شملت الخدمة عدداً من الشخصيات والمواطنين، كان من بينهم الأستاذة نجاة، مدير عام وزارة المالية بالولاية، والتي أشادت بالخدمة ووصفتها بـ “النقلة النوعية في مفهوم الرعاية الطبية”. كما مثلت زيارة فريق المستشفى إلى أسرة المرحوم محمد أحمد الشريف نموذجاً للإنسانية والتكافل، حيث قدم الفريق الدعم الصحي والإرشادي لأفراد الأسرة في فترة حزنهم، مما يؤكد أن البرنامج لا يقتصر على الجانب العضوي فحسب، بل يلامس الجوانب النفسية والاجتماعية للمواطن. هذه النماذج ليست سوى أمثلة أولية على طريق طويل، حيث يُعتبر التفاعل الإيجابي من المجتمع مؤشراً هاماً على نجاح المبادرة وقابليتها للاستدامة والتوسع.
.الرعاية الصحية المنزلية في العالم في اتجاه عالمي تعززه الأدلة والنتائج:-
للتأكيد على عمق هذه الخطوة، فإن الاتجاه نحو الرعاية الصحية المنزلية لم يعد ترفاً، بل أصبح استراتيجية معتمدة في معظم النظم الصحية المتقدمة. فوفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، تظهر الأدلة أن الرعاية المنزلية يمكن أن تقلل من معدلات إعادة دخول المستشفى، وتحسن بشكل ملحوظ من جودة حياة المرضى المزمنين، وتخفض التكاليف الإجمالية لنظام الرعاية الصحية على المدى الطويل. دراسات من “المجلة الطبية البريطانية” تشير إلى أن المرضى الذين يتلقون رعاية منزلية مكثفة بعد العمليات الجراحية الكبرى تظهر عليهم معدلات تعاف أسرع ومضاعفات أقل مقارنة بمن يبقون في المستشفيات لفترات طويلة. في سياق السودان والمنطقة، حيث تزداد التحديات الاقتصادية والخدمية، تبرز مثل هذه المبادرات كحل عملي ذكي، يستهدف استغلال الموارد المتاحة بأقصى كفاءة ممكنة، مع تحقيق أعلى تأثير إيجابي على صحة المواطن ورفاهيته.
.التحديات وسبل التغلب عليها هي ضمان الاستدامة والتوسع المستقبلي:-
بطبيعة الحال، تواجه أي مبادرة جديدة مجموعة من التحديات التي يجب التعامل معها بجدية لضمان استمراريتها. من أبرز هذه التحديات ضمان التمويل المستمر لتغطية تكاليف الأجهزة المحمولة، وتدريب الكوادر، وتوفير الأدوية والاستهلكات. كما أن التوسع الجغرافي ليشمل القرى والمناطق النائية بالولاية يتطلب بنية تحتية إضافية وتخطيطاً لوجستياً دقيقاً. بالإضافة إلى ذلك، يعد بناء الثقة بين المجتمع والفرق الطبية المتنقلة عاملاً حاسماً لنجاح البرنامج. ويمكن التغلب على هذه التحديات من خلال تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية والمنظمات حيث الاعتماد تقنيات مثل “التطبيب عن بعد” لدعم الفرق الميدانية، وتنظيم حملات توعوية مكثفة لشرح أهداف وآليات الخدمة، والعمل على تدريب كوادر محلية لدعم البرنامج.
.في الخاتم نحو مستقبل صحي أكثر إشراقاً وإنسانية, إن تدشين خدمة الرعاية الصحية المنزلية بمستشفى الشرطة القضارف ليس مجرد خبر يُنشر، بل هو علامة فارقة في مسيرة الخدمات الطبية بالولاية. إنه يؤكد أن دور المؤسسة الأمنية لم يعد مقتصراً على أدوارها التقليدية، بل امتد ليكون شريكاً تنموياً فاعلاً في بناء المجتمع ورفاهيته. هذه المبادرة تترجم شعار “الشرطة في خدمة الشعب” إلى أفعال ملموسة تمس حياة الناس اليومية وتخفف من معاناتهم. إنها استثمار حقيقي في رأس المال البشري، وإ؛ يش:؛ :عادة تعريف لمفهوم الأمن ليشمل الأمن الصحي كأحد أركانه الأساسية. نجاح هذه الخطوة سيفتح الباب على مصراعيه لتكرارها في ولايات أخرى، وربما لاعتمادها كسياسة وطنية، مما يسهم في خلق نظام صحي أكثر مرونة، وكفاءة، وإنسانية، خلق ومن حيث تصبح الرعاية الطبية الراقية حقاً مكفولاً للجميع، لا يحجزه عنهم حاجز المسافة أو العجز أو المرض.