33.7 C
Khartoum
الثلاثاء, سبتمبر 16, 2025

    تحالف العقل والنقل ..بقلم :محمد أبوزيد مصطفى

إقرأ ايضا

الأصل في الأحكام التشريعية المتعلقة بشئون المسلمين الدنيوية انها ليست توقيفية وإنما ظرفية، تعتمد علي الزمان والمكان والأحوال التي شُرِعت فيها، وبالتالي فهي غير ثابتة، وقد اوردنا في رسالة سابقة كيف أن الخلفاء غيروا احكاماً نزلت بشأنها أدلة قرآنية ونبوية صريحة لان الظروف التي قيلت فيها قد تغيرت، وبهذا استنّ الإمام الشافعي وغيره في تنوع الفتوى بتغير الزمان والمكان.
والاصوليون اشترطوا علي المفتي أن يكون عالما بالواقع-اي الظرف الزماني والمكاني- حتي يصدر الفتوى.

وكثيرٌ من المسلمين يفهمون قاعدة :{لا اجتهاد مع النص} خطأً، إذ يعتبرون أن الدليل هو النص، وهذا مفهوم خاطئ، إذ أن معني النص عند الأصوليين هو : {اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنيً واحداً في اللغة العربية}
،إذن لسان العرب هو المرجع لمعرفة مدلول اللفظ، وليس غيره والقرآن اُنزل *(بلسانٍ عربيٍ مبين)*.

ولذلك من الطبيعي أن تكون لكل زمانٍ أحكامُه الخاصة به كما تكون لكل مكان أحكامه ايضاً،
وهذا التنوع يعبر فعليا عن مقولة:
[الشريعة صالحة لكل زمانٍ ومكان]
وسرّ صلاحها مُضمّن في هذه الصيغة عالية المرونة، وهي تنوع الأحكام مراعاةً لواقع الناس المتنوع اصلاً

وتظل العلة تمثل ركنا محورياً في كل الأحكام التشريعية المتعلقة بدنيا الناس، ولذلك فإن:
{العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً}

القاعدة الأصولية التي تقول :{المشقة تجلب التيسير}
تؤكد جزماً علي المؤكد مما دلت عليه الأدلة الصريحة أن الأصل في الدين اليسر..
*(ما جعل عليكم في الدين من حرج)*
*(فاتقوا الله ما استطعتم)*
وفي الأحاديث النبوية :_
{إن هذا الدين متينٌ فاوغِلْ فيه برفقٍ، إن المنبتّ لا ارضاً قطع، ولا ظهراً ابقي}
{يسروا ولا تُعسروا، بشروا ولا تُنفروا}
{خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يَمَلْ حتي تملّوا}
وفي التشريع [ما خُيِّرَ النبي بين امرين؟ الا اختار ايسرهما]

هذا في الأصل اما في تقلبات الأحوال فإن الأحكام كلها سواءٌ عند الضرورة الملجئة التي تُلجئ صاحبها أن يتصرف خلاف ما شرع الله
*(فمن اضطُّر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه)*
*(فمن اضطر في مخمصةٍ غيرَ متجانفٍ لإثمٍ فإن الله غفورٌ رحيم)*
*(وقد فصّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)*
وهنا تتنزّل القاعدة [الضرورات تبيح المظورات]

كل هذه المؤشرات والقواعد تؤكد علي شئٍ واحدٍ هو أن الله ما شرع أحكامه الا من أجل تحقيق مصلحة عباده فحيثما وإينما كانت المصلحة المترجحة فثمّ حكمُ الله حلاً وحرمةً.

العقل هو الميزة النسبية التي ميّز الله بها الإنسان عن سائر مخلوقاته وأمره أن يحسن استخدامه، بل أكثر العتاب والتقريع لمن يعطل هذه الميزة
*(قل انظروا ماذا في السماوات والارض)*
*(أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ )*
*(أم علي قلوبٍ اقفالها)*
فما أكثر الآيات التي تخاطب العقول وتدعوها للتفكر والاجتهاد 
*(ولو ردوه الي الرسول والي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)*
فإذا كان الله قد  أسس دينه علي تحقيق مصالح عباده، فإن الإنسان أدري بالذي ينفعه ويضره،
وطريقه للوصول إلى ذلك هو نظره وعقله، وتجربته الواقعية، ولذلك قرر العلماء المحققين أن [النقل الصحيح لا يعارض العقل الصريح]
وهنا تلتقي المصالح الإنسانية الدنيوية علي إختلاف الأديان والأعراف والمذاهب.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة