34.1 C
Khartoum
الثلاثاء, سبتمبر 2, 2025

بيتنا أولاً.. قبل أن نُحمّل الآخرين وزر إخفاقاتنا ✍️ خليفة جعفرعلى

إقرأ ايضا

لا شك أن موضوع الذهب السوداني وملف تهريبه قضية بالغة الحساسية والأهمية، وهي تمس صميم اقتصاد البلاد وموردها الإستراتيجي الأكبر. لكن المؤسف أن بعض الأقلام – كما في المقال الذي نحن بصدده – تختار الطريق الأسهل بإلقاء اللوم على الجيران، وتحديداً مصر، وكأننا نحن بلا مسؤولية أو قصور أو عجز.

كاتب المقال قامة صحفية من الأسماء المعروفة والمشهورة في الساحة الإعلامية، واعتدنا منه جرأة في الطرح ووضوحاً في التناول، غير أنني وبكل صراحة أختلف معه هذه المرة جملة وتفصيلاً. فالتهريب ليس ظاهرة سودانية محصورة، بل هو واقع عالمي، لا تخلو منه حتى الدول المتقدمة. من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا، ومن آسيا إلى إفريقيا، التهريب قائم، لكن الفرق أن الدول ذات المؤسسات الراسخة لا تترك حدودها بلا حراسة، ولا تسمح لمواردها أن تُستباح.

الحقيقة الجوهرية التي حاول المقال تجاوزها هي أن العلة في داخلنا . نحن من فشلنا في بناء مؤسسات رقابية قوية، ونحن من عجزنا عن وضع إستراتيجيات ناجزة لحماية الذهب. ومن المؤسف أن نذكّر أن إناث الإبل نفسها، لم تُهرَّب خلسة فحسب، بل جرى تصديرها سابقاً بقرار وتشريع رسمي من الدولة، في صورة تعكس حجم الخلل في إدارة مواردنا.

ثم إن الحديث عن مصر يجب أن يكون بلغة السياسة لا بلغة الاتهام المجرد. نعم، من حقنا وعبر الإتفاقيات أن نطالب القاهرة بمزيد من الرقابة على حدودها، لكن من غير العدل ولا المنطق أن نختزل إخفاقنا الداخلي في اتهام مباشر بأن مصر “تسرق ذهبنا”. السرقة الحقيقية تبدأ من ضعفنا نحن، ومن غياب الإرادة الجادة لإغلاق المنافذ ومنع التهريب.

إن المقال الذي بين أيدينا لم يقدم حلولاً واقعية، بل اكتفى بتأليب القارئ عبر لهجة مشحونة، بينما ما نحتاجه اليوم هو خطاب إصلاحي هادئ: إصلاح مؤسساتنا، تحديث آليات الرقابة، تطبيق القانون بصرامة، وتطوير شراكات حقيقية مع جيراننا على أساس المصالح المشتركة لا الاتهامات.

ويبقى السؤال الذي لا مفر منه:
هل من العدل أن نحمل دولة جارة وزر إخفاقاتنا المتراكمة، بينما يبقى بيتنا مشرع الأبواب بلا حراسة ولا مسؤولية؟

ولا يفوتني في الختام أن أؤكد: مصر حكومةً وشعباً تظل دولة شقيقة، تجمعنا بها روابط الدم والجوار والتاريخ. ومهما اختلفنا في بعض الملفات، فإننا لا ننكر مواقفها المشرّفة في استقبال مئات الآلاف من السودانيين خلال هذه الحرب اللعينة، وإيوائهم واحتضانهم في محنتهم. وتزداد قيمة هذه المواقف إذا ما قارناها بدول جوار أخرى؛ منها من أقام معسكرات غير كريمة لا تليق باللاجئين، ومنها من رفض استقبال السودانيين أصلاً، بينما السودان ظل عبر تاريخه الطويل ملاذاً آمناً لشعوب المنطقة، فاستقبل لاجئي إثيوبيا وإريتريا وتشاد وأفريقيا الوسطى وغيرهم، وظل يوفر لهم معسكرات مهيأة وكريمة، وفتح لهم أرضه وقلوب أهله دون منٍّ أو أذى.

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة