32.9 C
Khartoum
الإثنين, سبتمبر 22, 2025

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي حمى الضنك والمليار الذهبي..!

إقرأ ايضا

حمى الضنك، التي تنتشر اليوم في الخرطوم وسواها، بجانب انها وباء بيولوجي فقد صارت تمثيلًا واضحًا لحالة هشاشة المنظومات الصحية والاجتماعية في بلادنا، وسط حرب مدمرة وظروف معيشية متردية.

في هذا السياق ، يظهر الوباء كأحد تجليات سؤال: من يحق له البقاء في عالم تعاد فيه صياغة قواعد اللعبة الديموغرافية والبيئية؟ . إنها أزمة لا تقتصر على المرض، بل تمتد إلى أسئلة وجودية تتعلق بمستقبل الإنسان على هذا الكوكب، وقدرة الأنظمة السياسية والصحية على حمايته.

وسط هذا المشهد المعقد، تبرز نظرية “المليار الذهبي”، وهي فكرة مفادها أن النخب العالمية تسعى لتقليص سكان الأرض إلى مليار نسمة ، بحجة الحفاظ على الموارد. ورغم تصنيفها أحيانًا كـ”نظرية مؤامرة”، فإن ملامحها تظهر في بعض الخطابات السياسية والدولية، وتثير تساؤلات مشروعة حول النوايا الحقيقية خلف بعض السياسات الصحية والبيئية .

منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، تحولت العاصمة الخرطوم إلى مدينة منكوبة. اختفت مؤسسات الحكم، وانهارت البنى التحتية، وأصبحت العاصمة مستباحة بالكامل من قبل مليشيا الدعم السريع. في هذه البيئة، تفشى وباء حمى الضنك بشكل متسارع، خصوصًا في ام درمان ، التي عايشت فيها شخصيًا مشاهد المرض ومعاناة الناس.

حتى 12 سبتمبر 2025، تم تسجيل 1523 حالة إصابة مؤكدة في ولاية الخرطوم، و52 حالة وفاة في خمس ولايات، بحسب بيانات وزارة الصحة، ما يعكس حجم التدهور الصحي وضعف الخدمات العلاجية.

البيئة المناخية ساهمت في انتشار المرض، حيث تزامنت الأمطار الغزيرة مع غياب نظام فعال لتصريف المياه، فتجمعت البرك الراكدة، لتصبح بؤرًا مثالية لتكاثر البعوض الناقل للمرض. مع غياب حملات التوعوية الفعالة من قبل الجهات الحكومية والمنظمات.

اعتدنا كإعلامين مع مطلع كل عام أن نترصّد ما تقوله الفضائيات والدوريات الإخبارية عن العام الجديد ، وما يردده أولئك الذين يُقدَّمون على أنهم “قارئو الطالع” أو “العرافون”، ليس إيمانًا بتكهناتهم، ولكن لأننا ندرك جيدًا أن خلف هؤلاء غالبًا ما تقف جهات تملك استراتيجيات دقيقة تُوظف هذا النوع من الرسائل الناعمة لتشكيل الوعي الجمعي وتهيئة الرأي العام لما هو قادم.

ومع بداية عام 2025، كثر الحديث بين هؤلاء “المتنبئين” عن أن النصف الأول من العام سيشهد وباءً واسع الانتشار، وهو ما بدا آنذاك ضربًا من المبالغة أو الإثارة الإعلامية. غير أننا اليوم، مع تفشي حمى الضنك في عدد من الدول، نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع هذا السيناريو الذي أصبح واقعًا، ولم يكن السودان استثناءً منه.

فالوباء بالفعل شمل عشرات الدول في محيط آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وصولًا إلى بعض الدول الأوروبية، بحسب تقارير المراكز الأوروبية لمكافحة الأمراض، ما يضع علامات استفهام حول حجم الاستعداد الدولي، والأهداف غير المعلنة ، خلف تسارع هذه الظواهر الصحية.

هل نحن أمام وباء طبيعي؟ أم أن هناك أطرافًا دولية تستغل هشاشة الدولة السودانية والنامية لتمرير أجندات خفية؟ هذه الأسئلة، وإن بدت ثقيلة، إلا أن تجاهلها هو تجاهل لأبعاد سياسية قد تكون أكثر فتكًا من الأوبئة ذاتها.

رغم الجدل حول “نظرية المليار الذهبي”، إلا أنها لم تعد مجرد مادة في كتب التحليل السياسي. فقد صرّحت روسيا علي لسان الرئيس بوتين ، بأن هناك بالفعل محاولات لإعادة تشكيل العالم وفق أسس انتقائية .

تاريخيًا، المفكر البريطاني توماس مالتوس في القرن الثامن عشر، دعا للحد من النمو السكاني لأسباب اقتصادية وبيئية. وفي السبعينيات، تبنّى هنري كيسنجر سياسات سكانية تقشفية تجاه دول العالم الثالث، خاصة الإسلامية منها، بحجة الحفاظ على الموارد العالمية.

السودان، بحكم الظروف الحالية، يبدو أنه بات أرضًا خصبة لتجارب سياسية وصحية غير معلنة . الخرطوم، العاصمة القومية ، تُنهب اثارها وتسرق الكوابل النحاسية وتُقصف المكتبات والجامعات ، بينما تتسابق بعض القوى المتآمرة لاستغلال هذه الفوضي لترتيب المشهد الجديد.

ورغم التحركات الواعدة ، مثل لجنة الفريق إبراهيم جابر لمحاولة إعادة تفعيل الحكومة، واستحداث عاصمة جديدة إلا أن الوقت يمضي، والأرواح تُزهق، في ظل غياب شبه تام لدور وزارة الصحة الاتحادية ، حيث بدا واضحا عجزها في توفير الفحص ودرب البندول والعلاجات الاولية .

حمى الضنك كما يراها #وجه_الحقيقة ليست مجرد أزمة صحية، بل عنوان لانهيار محتمل في السياسة والبيئة والمجتمع. وما يحدث في السودان اليوم يعكس نمطًا عالميًا يعاد فيه تشكيل مصائر الشعوب على حساب الضعفاء. لذا فإن مواجهة الوباء تتطلب أكثر من استجابة طبية، تحتاج إلى وعي سياسي جماعي وخطاب إعلامي منتبهة ، يدرك أن التغاضي عن هذه الأزمات هو مشاركة ضمنية في إنتاجها .

دمتم بخير وعافية.
الإثنين 22 سبتمبر 2025م Shglawi55@gmail.com

مقالات تهمك أيضا

الأكثر قراءة